ما بعد الاستفراد الأميركي بالتسوية!
أحمد جميل عزم
07-11-2013 02:22 AM
يقول أكاديمي صهيوني، في لقاء مع إذاعة "بي. بي. سي" العربية، رداً على سؤال حول ما الذي ستُقدّمه إسرائيل لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، خلال زيارته للمنطقة، وسعيه لمتابعة جهود التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إنّه: لو كانت المشكلة مع الأميركيين، لقدمنا لهم الكثير، ولكن الموضوع لا علاقة له بالأميركيين.
وينسجم موقف هذا الأكاديمي مع حقيقة الطلب الإسرائيلي من الأميركيين، وتحديدا من الصهيوني المخلص، المُعيَّن وسيطاً، مارتن إنديك، أن لا يحضر المفاوضات، وأنّه "لا علاقة لكم بالمفاوضات".
القضية بالنسبة لإسرائيل ليست الولايات المتحدة إذن. وبالتالي، لا حاجة للتنازلات. والموضوع مع الفلسطينيين لا يجب أن يكون خلافيا. فماذا عن الأميركيين؟!
بمجرد وصول كيري إلى فلسطين أول من أمس، ذهب محمّلا بأكاليل الورد إلى قبر إسحق رابين، رئيس وزراء إسرائيل الذي اغتاله مناهضو التسوية الإسرائيليون قبل 18 عاما. وخاطب كيري ابنة رابين: "سنقف إلى جانب إسرائيل في كل خطوة في الطريق".
هذه اللفتة الأميركية، وربما الإجابة الأميركية عن الطلب الفلسطيني الذي عبّر عنه نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، بقوله: "نطلب موقفا أميركيا حازما إزاء الاستفزازات الإسرائيلية. إسرائيل تواصل سياسة وضع العقبات أمام عملية السلام، وفي كل مرة يأتي كيري للمنطقة يعلنون مستوطنات جديدة".
وإذا أردنا أن نستخدم القواعد شبه الساذجة التي درسناها في مادة مبادئ علم المنطق، فإن كلمات أبو ردينة تعني: "كلما جاء كيري، أُقيمت مستوطنات جديدة. الأفضل إذن أن لا يأتي". الصيغة التفاوضية منذ ما بعد أوسلو 1993، هي أنّ المفاوضات تجري تحت رعاية أميركية حصرية، منحازة للإسرائيليين.
وباءت بالفشل كل محاولات الفلسطينيين والعرب لإقناع الأميركيين بتدويل الصراع، وإدخال الأمم المتحدة والأوروبيين وغيرهم. وكان ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، على غير رغبة الأميركيين، هو المحفز الأساسي لجهود إعادة إحياء المفاوضات. وبموافقة الفلسطينيين على التراجع المؤقت عن هذا التدويل، تراجع الاهتمام الأميركي. والآن، يريد الإسرائيليون صيغة جديدة، هي أنّه حتى الرعاية الأميركية المنحازة غير مرغوب فيها، وواشنطن لا تريد أن ترفض الرغبة الإسرائيلية.
هذا هو الوجه الجديد للتعنت الإسرائيلي. ويجري تسويق هذا الموقف الآن عبر حملة إعلامية منسقة، تدعي أمام العالم أن الفلسطينيين يتعنتون في المفاوضات، لأنهم يعتقدون أنّ الأميركيين سيتدخلون بمبادرة سلام عند تعطل المفاوضات، أو أنّ العالم سيتدخّل ليفرض على الإسرائيليين شيئا. وهذه سياسة إسرائيلية استباقية لفشل المفاوضات، ولمعارضة مبادرة من أي نوع.
في المفاوضات نفسها، الموقف الإسرائيلي ليس: ما هي المقترحات التي يقدمها الإسرائيليون للحل؟ ولكن الموقف يتلخص في نقطتين: الأولى، سؤال الفلسطينيين: ما هي التغييرات الجديدة في مواقفكم، مقارنة بما كنتم تطرحوه سابقا؛ بماذا تراجعتم عن العام 1993؟ والثانية، وضع التحفظات الإسرائيلية (وليس المقترحات). وهذه التحفظات تشمل رفض الانسحاب من الأغوار ورفض الانسحاب أو التقسيم للقدس. ولا يُطرح، مثلا، حل يتعلق بحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، والذي لن يكون مقبولا من الفلسطينيين طالما استثنى السيادة والتقسيم، ولكنه سيكون على الأقل نوعا من عرض إسرائيلي. بكلمات أخرى، ما يقوم به الإسرائيليون مطالبة الفلسطينيين بعروض "أقل ثمنا"، سيرفضونها أيضاً.
في المقابل، استبق الأميركيون الاعتراض الفلسطيني على جمود المفاوضات وعلى السياسات الإسرائيلية، بالحديث عن مبادرة أميركية محتملة بعد شهرين. وهو ما يشتري وقتاً جديدا للإسرائيليين. ومن غير المستبعد بدء الحديث في مطلع العام المقبل عن نوع جديد من اللقاءات التفاوضية، وأن يستغرق الحديث عن شكل اللقاءات أشهراً.
من دون شعور الأميركيين بأنّ الأمور تخرج عن السيطرة؛ سواء بالتحرك على الساحة الدولية وتدويل الصراع أو بتصاعد المقاومة الشعبية، فإنه لا يوجد حافز حقيقي للتحرك.
إذا لم يكن هنا رد تفاوضي ولا دبلوماسي ولا قانوني على المستوطنات واستشهاد الأسرى، فإنّ تصعيد المقاومة الشعبية المدروسة يمكن أن يكون الرسالة الحقيقية التي تجبر واشنطن والعالم على أخذ الفلسطينيين بجدية. وتغيير فريق المفاوضين يمكن أن يساعد. أمّا احتفاظ الفلسطينيين بكل شخوص وطرق وأساليب تحرُّكِهِم وتفاوضهِم القديمة كما هي، فسيؤدي إلى مزيد من نجاحات التحايل الإسرائيلي.
(الغد)