يباغت الانسان شعور بالغربة، كنبات صحراوي برز في غفلة الانشغال والاشتغال بالحياة، فعندما نمتلك وقتاً كي نجلس لنستريح، يصبح الأبناء وجوهاً غائبة، ونرى أنفسنا في مواجهة الفراغ اثر انفراط عقد الأبناء وقد كبروا وتخرجوا وتغرّبوا وتزوجوا. وهل أصعب من العيش دون أن يشاركك أحد تفاصيل صباحاتك ومساءاتك؟.
إنه العمر يتسلل من شقوق الزمن ولا نراه، وكأن ستائر الأيام مسدلة عن أعيننا. ثمّ يكبر الأبناء ويهدأ لهاثنا المحموم وراءهم، فنتوقف للتأمل بما وراء هذه الستائر ليصدمنا ما تبقى من شيخوخة الشمس. ذلك أن مواسم الاحتفال بانتصارات العمر وتعب السنين توأم أبدي لضعف الجسد وشيبته.
يحصد الانسان بر أبنائه ودفء أحفاده ويبقى وهو في انتظار محطة الوصول الأخيرة، يجامل الحياة. أمهات وآباء كانوا يوماً محتشدين ومنشغلين بتفاصيل العمر وتفاصيل الأبناء، تشققت أكفهم وتبددت صحتهم وقد لاحقوا خطوات تعليمهم وعملهم وأملهم وألمهم حتى شبّوا وكرّوا إلى محطات الاستقرار آمنين.
نسير إلى وحدتناحين نتخفف من مسؤولية الأسرة والأبناء، هي في الحقيقة وحدة يبددها، مؤقتاً، زيارة في نهاية الأسبوع يتفضل بها الأبناء والأحفاد أو مرور من يجود وقت فراغه كي يملأ أوقاتهم. فإذا ماتعرض الآباء إلى خيبات توقعاتهم، بتفضّل من يؤنس وحدتهم أو يشاركهم لقمتهم أويكسر جدار مللهم، عذروا أبناءهم بأنهم مدركون بمسؤوليتاتهم وأنهم حتماً يسيرون خلال محطات السفر ذاتها.
(الرأي)