دور الثورة المعلوماتية في مكافحة الفساد
د غازي أبو عرابي
06-11-2013 01:09 AM
أسهم الانترنت في بزوغ ثورة المعلوماتية لما له من قدرة هائلة في تخزين المعلومات ومعالجتها واسترجاعها وبثها بسرعة فائقة إلى مستخدمي شبكة المعلومات الدولية في جميع أنحاء العالم دون التقيد بحدود جغرافية أو سياسية.
وهكذا أصبحت المعلومات الإلكترونية الوسيلة الأكثر فاعلية والأقل كلفة والأبعد أثراً في كشف الفساد ومكافحته لما لها من انتشار واسع وقدرة فائقة على نشر المعلومات بشأن الفساد والتأثير على المواطنين وهيئات المجتمع المدني ودفع الجهات المختصة لملاحقة الفاسدين.
ومع ذلك فإن عملية مكافحة الفساد هي عملية متشابكة ومعقدة نظراً لأن تقنية المعلومات أسهمت في ظهور جرائم الفساد الدولية المنظمة والعابرة للحدود. وهذا يؤدي إلى عدم القدرة على التصدي لهذه الظاهرة بحلول انفرادية أو أحادية الجانب، بل تتطلب منظومة متكاملة من الإجراءات القانونية على الصعيدين الوطني والدولي لحماية مؤسسات الدولة من آثار الفساد المدمرة للقيم والأخلاق وسرقة المال العام.
ومن أهم هذه الإجراءات حماية المُبلّغين عن وقائع الفساد وتوفير الحماية من خلال اتخاذ تدابير قانونية مناسبة توفر حماية فعلية لأي شخص يقوم بحسن نية لحماية المصلحة العامة بإبلاغ السلطات المختصة بأي وقائع فساد مجرّمة.
هناك بعض القوانين الأجنبية التي قطعت شوطاً في محاربة آفة الفساد لديها تدابير فعالة في حماية الشهود والخبراء في قضايا الفساد مثل إخفاء الشهود خلال الجلسات أو مثول الشاهد أمام المحكمة دون حضور الجمهور أو سماع شهادته عن بعد عبر تقنيات الاتصال الحديثة وحظر نشر اسم وعنوان وهوية الشهود في وسائل الإعلام. وإمكانية تغيير موطن الشاهد واسمه إذا تطلب الأمر ذلك، وفرض عقوبة الغرامة أو الحبس ضد أي شخص يهدد الشاهد المطلوب إدلائه بشهادته أمام العدالة.
وهذه التدابير تؤكد عليها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، والاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية.
أن المكافحة الحقيقية للفساد تتطلب وضع تدابير وقائية لمحاربة الفساد في البنوك والمؤسسات المالية، ومنع غسل الأموال الملوثة بالفساد، وذلك بإنشاء نظام داخلي شامل للرقابة والإشراف على البنوك والمؤسسات المالية التي تقدم خدمات تحويل الأموال، وتحديد هوية العملاء والمنتفعين وحفظ السجلات والإبلاغ عن المعاملات المشبوهة.
وهكذا فإن تدفق المعلومات بشأن الفساد عبر الانترنت لا يكفي لمحاربة الفساد، بل لا بد من منظومة قانونية متكاملة لتنظيم مكافحة هذه الظاهرة الخبيثة وتعزيز الشفافية وضمان تداول المعلومات المتعلقة بالفساد، باعتبار أن الحق في الحصول على المعلومات يعد من الحقوق الأساسية للإنسان وهذا ما أكد عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (59/1) الصادر في دورتها الأولى عام 1946. وهذا يفرض التزاماً على الدولة بنشر المعلومات الرئيسية التي تتعلق بالمصلحة العامة، وكشف البيانات المالية للدولة وتوثيقها بدقة، وإن تسمح بالوصول إلى السجلات والمعلومات لديها بأي نوع من أنواع التخزين وجعل سرية المعلومات استثناء نادراً في المعاملات العامة.