مراجعة ما أُنجِز، ووضوح الرؤية المستقبلية، والتعاون والتشارك في تحقيق الغاية السامية ألا وهي حياة فضلى للوطن والمواطن، هي مجتمعة أسس العمل الواعي المنضبط، وركائز أساسية في التخطيط وكذلك التنفيذ، هذا أصلاً ما أكد عليه جلالة الملك في خطاب العرش السامي لإفتتاح الدورة الحالية لمجلس الأمة السابع عشر، مشدداً على أهمية الحفاظ على تحصين جبهتنا الداخلية، «فالتحديات كثيرة وصعبة»، وتتطلب منا اليقظة والعمل بروح الفريق المتكامل، المستمر في سعيه لتطوير نموذج إصلاحي على مستوى الإقليم، نابع من الداخل مرتكز على خارطة طريق واضحة المعالم.
فخلال البضعة أعوام السابقة كان الهم الأكبر هو مراجعة وتعديل وتطوير التشريعات السياسية، وإرساء قواعد ديمقراطية للعمل السياسي على مستوى السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والأحزاب، وترسيخ ممارسات الـمواطنة الفاعلة، من خلال الانتخابات البلدية، والنيابية التي هي اصلاً حاضنة الديمقراطية التي من رحمها يستكمل التحول الديمقراطي.
إن الانتقال التدريجي في أسلوب الحكم والإدارة، كما إقترحه جلالة الملك في أكثر من مناسبة، يجب أن يكون مدروسا، واثق الخطى، مجربا سابقاً إن أمكن ومعتَمدا عالمياً، فلا مجال للتجريب محلياً، وخاصة إذا تعلق الأمر بمستقبل الوطن، المطلوب هو انتقال ديمقراطي تدرجي يفضي بالنهاية الى الحكومات البرلمانية، والتي يعمل بها حالياً في أكثر من ديمقراطية عالمية مشهود لها بالتوازن والإستقرار المُمِثل للجميع دون استثناء، وأمثلة ذلك كثيرة منها النموذج النيابي البريطاني الذي يعتمد تولي الأكثرية من النواب لمهمة تشكيل الحكومة وبوجود أقلية بالجهة المقابلة تعتمد مبدأ حكومة الظل، وهذا نهج مقترح لكنه ليس مفروضا طبعاً، علماً بأنه مثالي من وجهة نظري الشخصية كمواطن أمضى ردحاً من الزمن في تلك البلاد، فكما أشار جلالته يمكن أن تكتمل لدينا الروية النهائية عبر دورات برلمانية قادمة، «بحيث تشكل الأغلبية النيابية المستندة إلى أحزاب برامجية الحكومات، ويوازيها أقلية نيابية مستندة إلى أحزاب برامجية أيضا، وتعمل بمفهوم حكومة الظل في مجلس النواب». وعليه فأنني أرى أنه على «مجلس النواب أولاً» أن يدرس مثل هذه النماذج ليستفيد من خبرة الآخرين ويأخذ بأحسنها.
ولم تقتصر الرؤية الملكية على دور مجلس النواب والأعيان في أحداث التغيير والتطوير، وإنما كان للملكية جانب في الخطاب السامي، «ويوازي هذا التقدم في أسس العمل الحزبي والنيابي والحكومي تطور تدريـجي في دور الملكية ومسؤولياتها الدستورية، وعلى رأسها ضمان التعددية والديمقراطية، وحماية التوازن بين السلطات والدفاع عن أمننا الوطني» ولا ننسى الورقة النقاشية الملكية ومضامينها والتي بموجبها التزم جلالته حفظه الله بضمان مسيرة الدولة على كافة المستويات بصفته الملك والمتحمل لكافة التبعات، فهو من حُمِلَ الأمانة فحملها، فأعانه الله ونَصَره.
إن من مؤشرات حسن الأداء والتخطيط والقيادة السليمة في مملكتنا الحبيبة، هو تفاعل وتناغم المواطن مع سلطاته الثلاث ومع القائد الهاشمي «بركة هذا الزمان»، ولا أدل على ذلك من حالة الأمن المستدامة التي نعيش وننعم بها، والتي تخللها إجراء إنتخابات نيابية وبلدية في عام واحد، وفي وقت عَمَ النزاع والصراع العديد من دول الجوار «حولنا» كان الله في عونهم، كما كان هذا الوطن الصغير في الموارد كبيراً كعادته في المواقف تجاههم. فكأنما وجد هذا الوطن ليكون واحة أمن في محيط مضطرب، رأفة بالعالمين.
وعليه وفيما يختص بالمناسبة الجليلة، فتقع على عاتق مجلس الأمة مسؤولية مأسسة العمـل الحزبي وتطوير أداء وآليات العمل النيابي، وبخاصة عمل الكتل النيابية، تعميقا لنهج الحكومات البرلمانية المنتظرة والتي لا غنى للوطن عنها، إذ أنها تعتبر الحل الأمثل عالمياً ومنطقياً لتشكيل الحكومات البرامجية، التي تحظى بثقة الناخب وتلبي حاجاته، استناداً إلى برامج حقيقية مدروسة قابلة للتطبيق وتقبل بالآخر، وتعترف بالمعارضة كشريك وكمراقب وعند اللزوم كبديل، فحزب الأغلبية وحزب المعارضة هما أجنحة الدولة ورواسيها، والوطن هو الجامع المشترك الأعظم، حماه الله.
(الرأي)