تصريح الرئيس التركي عبدالله غل، بالتحذير من تحول سورية إلى "أفغانستان جديدة" في منطقة الشرق الأوسط، ولومه الغرب على ما وصلت إليه الأمور هناك، يعكسان حجم الغضب التركي ومدى الشعور بخيبة الأمل من ردود الفعل الدولية تجاه الثورة السورية.
اليوم، تحاول دول عربية وتقارير أجنبية وضع اللوم على تركيا لأنّها فتحت الحدود أمام الثورة السورية، ما أدّى إلى دخول الآلاف من الجهاديين للمشاركة في القتال ضد النظام السوري، إلاّ أنّ أغلبهم أصبح لاحقاً أحد أفراد "القاعدة" في سورية؛ سواء انضم إلى "داعش" (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، أو إلى الفرع الآخر المتمثل في جبهة النصرة.
لست هنا في موقف الدفاع عن السياسة التركية، وهي بالضرورة مبنية على المصالح القومية، وليست مثالية. لكنّ مثل هذه الاتهامات تتناسى القضية الجوهرية هنا، وهي أنّ تركيا لو لم تفتح الحدود أمام الثوار السوريين، ولم تسمح بعبور الأسلحة، وانتقال الناس منها وإليها، لما تمكّنت الثورة السورية إلى الآن من الصمود في مواجهة الجيش السوري، بدعم كبير من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وغطاء روسي، فيما اكتفى "أصدقاء سورية" الغربيون بخوض المعارك الخطابية والسياسية، وإطلاق الوعود والوعيد، بينما لو كان هناك قرار دولي حاسم، لسقط النظام السوري منذ مدة طويلة.
من السذاجة تحميل تركيا مسؤولية صعود "القاعدة"؛ فهناك تناقض جوهري بين الاثنين. أما من يتحمل المسؤولية عن هذا الصعود، فهما طرفان لا ثالث لهما.
الطرف الأول هو النظام السوري، الذي سعى منذ اليوم الأول للثورة إلى استدخال "القاعدة" في الصراع، من أجل تسويق ما يقوم به من مجازر وقمع، بوصفهما "حرباً على الإرهاب"، وتخويف الغرب وإسرائيل من عواقب "اليوم التالي" لسقوطه.
لم يكتف النظام بذلك، بل ساعد على إيجاد "القاعدة"، عبر إطلاق سراح مئات السجناء من تيار السلفية الجهادية في بداية العام 2012، من سجن صيدنايا؛ فانخرط كثير منهم في الفصائل الجهادية الجديدة.
أمّا الطرف الثاني، فهو المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية والغرب، الذي تخاذل عن حماية الشعب السوري، وعن دعمه بما يحتاج من سلاح يكافئ الحرب التي يخوضها بأسلحة بدائية، مقارنة بأسلحة الجيش السوري والإيرانيين وحزب الله. فكان أن تُرك الشعب السوري نهباً لحالة الإحباط واليأس وخيبة الأمل، وفقدان الأفق في الخروج من هذه الحال.
ومثل هذه الظروف تمثل بيئةً خصبة لنمو "القاعدة"، وتوفر فرصاً ذهبية لقدرتها على التجنيد والدعاية.
الحقيقة التي يقفز عنها العرب اليوم هي أنّ الرهان التركي لم يكن على "القاعدة" في وقت من الأوقات، بل إن تركيا تدفع ثمن دعمها للثورة السورية، بوجود "القاعدة" على حدودها. أما الاختلاف الجوهري بين الأجندة التركية والعربية تجاه الثورة السورية، فيتمثل في أنّ تركيا لا تمانع في دعم الفصائل الإسلامية المعتدلة، وتتبنى مشروع إدماج "الإسلام السياسي" في رسم المستقبل السياسي للمنطقة، سواء في سورية أو تونس أو مصر.
برزت هذه الخلافات، بصورة واضحة، على السطح، في موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الرافض للانقلاب العسكري في مصر، ودعمه للثورة السورية. بينما النظم العربية ترفض تماماً أي دور للإسلام السياسي، بل تحاول تلوينه بلون واحد متطرف، خوفاً من أن يكون هو البديل عن النخب السياسية الراهنة!
وربما هذا يقودنا إلى بيت القصيد؛ فمشكلة العرب مع الأتراك، أو نموذج أردوغان، تحديداً، لا تكمن فقط في دعمه للقوى الإسلامية المعتدلة في حقبة الربيع العربي، بل أيضاً لأنّ هذا النموذج قادر على الجمع بين الإسلام والديمقراطية والتنمية الاقتصادية، وتقديم صورة لدولة قوية، في مقابل الصورة المزرية لأغلب الأنظمة العربية!
(الغد)