في ورقة عمل أعدها خبراء صندوق النقد الدولي منتصف العقد الماضي، أظهرت نتائج دراسة حوالي مائتي دولة أن برامج التصحيح المالي المنبثقة عن الصندوق فشلت في تحقيق أهدافها مقارنة ببرامج التصحيح المستقلة عن أي من الجهات الدولية و المانحة.
فبينما نجحت البرامج المالية المستقلة في دفع الايرادات و تخفيض النفقات، لم تنجح برامج الصندوق الا بتخفيض الانفاق مؤقتا فيما بقيت ايرادات الدول الخاضعة لذات البرامج تنخفض في مؤشر واضح على تراجع اقتصادياتها على مستوى الافراد و قطاع الاعمال.
في مؤشر آخر مهم، أظهرت نتائج ذات الورقة أن معايير و نصائح الصندوق لتعزيز ايرادات الدولة من خلال اقتراح الضرائب الجديدة على الدخل و المبيعات لم تنجح، بل انها تسببت بمزيد من الانحسار في ايرادات الموازنة من مختلف النشاطات الاقتصادية.
تفسير النتائج السابقة قائم على فكرة أن الاصلاحات التي تشترطها برامج الصندوق أسرع مما ينبغي، و هو ما يمس سلبا بالطبقات المتوسطة و الفقيرة من جهة، و يؤدي الى تباطؤ قطاع الأعمال الداعم للنمو الاقتصادي من جهة أخرى.
المنطق الاقتصادي البسيط يتسق مع المعطيات السابقة و يتطلب من الدول الخاضعة لبرامج الصندوق مزيدا من المرونة في التعامل مع شروطها و متطلباتها.
ذلك ان تركيز الاصلاح المالي على تخفيض الانفاق أكثر عبئا على النمو مقارنة بتعزيز الإيرادات، خاصة اذا تحقق هذا التعزيز من خلال محاربة التهرب الضريبي و دفع معدلات النمو الاقتصادي.
كما ان اقتراح صندوق النقد لضرائب جديدة و اضافية يقوم على دراسات مقارنة مع دول اخرى تختلف ظروفها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية مقارنة بجوهر الاقتصاد المحلي محط الدراسة و التصحيح، مما يقود في كثير من الاحيان الى علاقة عكسية بين معدلات الضريبة من جهة و ايرادات الدولة من جهة اخرى.
في الأردن، تشير المعطيات الاقتصادية و البيانات المالية الى أن العلاقة مع برنامج صندوق النقد الدولي تخضع لجزء من المعادلات السابقة من خلال الاصرار على فرض مزيد من الضرائب رغم تباطؤ النمو، و من خلال الاعتماد بشكل أكبر على تخفيض الانفاق عبر رفع الدعم عن المحروقات و الكهرباء و تشديد الخناق على مختلف أوجه الانفاق.
لذلك، ينبغي على الحكومة مراعاة اعتبارات النمو و خصوصية القطاعات الاقتصادية جديا قبل الاخذ بشروط الصندوق، و ايضا استغلال مشاريع المنحة الخليجية بأكبر كفاءة ممكنة لمواجهة تبعات انخفاض الانفاق الاجتماعي على مستويات النمو و عدالة التوزيع.
الراي