بدايةً...الأمرُ الذي لا بدَّ من الإشارة إليه، بشكل واضح وجلي، بمناسبة افتتاح الملك للدورة البرلمانية العادية أمس، أنّ الأردن الواقع في محيط تجاوز اللهب فيه إلى حدّ الاحتراق، ظلّ العلامة الفارقة في هذا الواقع المرير، في منطقة منكوبة في الانقسامات والاقتتال والتّدمير، وظلّ هذا البلد يُحافظ على أمنه واستقراره، ماسكاً على هذه النّعمة الإلهيّة بقبضة قويّة واثقة، حتى صار نموذجاً يُشار إليه من العالم كلّه، وبالطبع لم يكن هذا بالصُّدفة، فالتحام مكونات الدولة الأردنيّة المتمثلة في الشّعب والقيادة، وحرصهما على هذه النّعمة، سببٌ قوي فيما يتمتع به الأردن الآن عن سواه في المنطقة. ففي الوقت الذي كان الملك فيه أمس يُدوّي بخطابه تحت قبة البرلمان، مُرسِّخاً لملامح جديدة لمسيرة الأردنيين، كانت المدافع تحرق بنيرانها عواصم، لا تبعد عن عمان إلا بضع عشرات من الكيلومترات فقط، وهذه مفارقة كبيرة يجب الوقوف عندها كثيراً، والتّأمل في العبقريّة الأردنيّة في الحفاظ على معادلة الأمن والأمان والاستقرار، في ظروف إقليمية غاية في التّعقيد، وعدم الاستقرار.
أمس كان الملك كعادته يضع النّقاط على الحروف، في مرحلة جديدة من مراحل الإصلاح والتّطور الوطني، عندما وقف أمام شعبه، وبين نواب الأمة وأعيانها، ليقول للعالم إننا ماضون في الأردن، رغم كلّ الصّعاب والتحديات وقلّة ذات اليد، نحو الهدف المنشود في تكريس وطن نموذج على كلّ المستويات، الإنسان يقف فيها على سلَّم الأولويات، من حيث المعيشة اللائقة والمسيرة الصحيحة.
لقد كان خطاب العرش أمس تحت قبة البرلمان، يُشير بوضوح إلى رؤية الملك الواثقة المطمئنة، إلى مستقبل أكثر إيجابية للإنسان الأردني، على كلّ المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، أمس كان الملك يشحذ الهمم الوطنيّة من جديد، لكلّ السلطات المُكونة للدولة، التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة، للإسراع في برنامج الإصلاح الوطني، الذي التقت عليه القيادة والشّعب، عندما كان يُشير إلى الإنجازات التي تحققت بسبب هذا التلاحم والإصرار، ليكون الأردن نموذجا إصلاحيا على مستوى الإقليم والعالم.
حين يُطالب الملك بالبناء على ما أُنجز، والاستمرار في عملية الإنجاز، فإنه يوجه خطابه هذا إلى كلّ أردني يرنو لحياة أفضل، ومستقبل أكثر أمناً للأجيال، أنْ يكون أكثر فعاليّة في المسيرة الوطنيّة، وأنْ يندمج بكلّ قدراته من أجل الهدف الأسمى، للوصول إلى ما يحلم به الأردنيون من غدٍ أفضل.
لقد كانت التعدديّة الأردنيّة المميزة، عبر السنتين الماضيتين الأصعب على المنطقة والأردن، عاملاً أساسياً ورئيساً في حماية التجربة الأردنيّة التاريخيّة، في الحفاظ على وحدة الأرض والإنسان الأردني، وهذا ما تميَّز به الأردن عبر عقوده الطويلة، في مسيرة صعبة اتّسمت في التحديات الكبيرة، التي قابلها الأردنيون مع قيادتهم بإرادة أكثر قوة وصلابة، جعلت الأردن يسير بمسار خاص ومميز عن كلّ المسارات في المنطقة، التي أوصلت أصحابها إلى ما نراه اليوم من تدمير لأوطان ودول، من أجل أهداف في رؤوس مريضة، لم ترتق ِ إلى مستوى قدسيّة الأوطان والحفاظ عليها.
لقد وضع خطاب العرش أمس، في افتتاح الدورة البرلمانيّة، معالمَ جديدةً على خارطة طريق البناء الوطني، وعبَّد مسافات جديدة على طريق الإصلاح المنشود وطنياً، عندما أشار الملك، في كلّ مفصل من مفاصل الخطاب، إلى كلّ جزئية مهمة في حياة الأردنيين ومستقبلهم، على كلّ المستويات، التشريعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة.
مطلوبٌ الآن منّا جميعاً، أنْ نكون على قدر الرؤية الملكيّة، لحاضر الوطن ومستقبله، وأنْ نترفَّع عن كلّ المصالح الذاتيّة الضيّقة، والدخول في الأفق الوطني الواسع، حتى نحققَ ما يرنو إليه شعبنا، لنظلَّ النموذج الأفضل، في بؤرة يتطاير منها الشَّرر المجنون بكل اتجاه، وأنْ نقتنع جميعاً أنّ الأردنَّ وطنُ أمنٍ وأمانٍ، ليس بالصُّدفة، بل بمعادلةٍ فريدةٍ يتلاحم فيها الشّعب مع قيادته، ويتوحَّدانِ بالرؤيةِ والمصيرِ والهدفِ، بالتوازي مع وجود قوات مسلحة باسلة يربض رجالها على الحدود على امتداد الليل والنهار حفاظا على سيادتنا الوطنية، ورجال أمن لا يعرفون الا السهر وأيديهم على الزناد لحماية الأمن الداخلي بل حماية الأمن الشخصي لكل أردني بأسلوب حضاري متميز يحاكي كل أسس احترام حقوق الانسان وكرامته.
(الدستور)