الأردن يختط مساره الخاص للإصلاح. تلك هي خلاصة خطاب العرش الذي ألقاه الملك عبدالله الثاني في افتتاح أعمال الدورة البرلمانية أمس.
في تصنيف قوى معارضة وتيارات سياسية، فإن المقاربة الجديدة تعد تراجعا مقصودا عن الإصلاح. وفي تعريف ساسة الدولة، هي خطة ممنهجة لعملية إصلاحية متدرجة.
في الحالتين قاسم مشترك في التفكير، مفاده أننا لم نعد تحت ضغط الربيع العربي الذي كان المحرك لعملية طموحة بدأت بحوار وطني حول قوانين الإصلاح، وتعديلات دستورية واسعة، وانتخابات نيابية وبلدية، وحزمة أخرى من الإجراءات والخطوات.
في الفصل الأول من فصول الربيع العربي، بدا النظام السياسي الأردني حريصا على مواكبة ومسايرة موجة التغيير الثورية لإنجاز التحولات المطلوبة شعبيا قدر الإمكان، لتجنب المسار الثوري الذي سلكته دول مثل تونس ومصر وليبيا. كانت الخطوات على هذا الصعيد موفقة، وتمكنت الدولة من بناء الإجماع الوطني على حدود الإصلاح والتغيير، رغم الحراك المتصاعد في الشارع آنذاك.
كان الأمل عند جميع الأطراف هو أن نجني ثمار التغيير الثوري من دون ثورة في الأردن، ونكون شركاء في العالم العربي الجديد؛ عالم ما بعد الربيع العربي، على طريقتنا الأردنية الخاصة.
لكن من منا اليوم يرغب في أن يكون الأردن مثل مصر أو سورية أو ليبيا؟النماذج التي سعينا إلى مسايرتها، نحن وغيرنا من شعوب عربية، أصبحنا أكثر حرصا على التمايز والابتعاد عنها.
لقد تعثرت تجربة التحولات الثورية في دول الربيع العربي، فزال عن كاهل الدولة عبء اللحظة التاريخية؛ وتراجع الحراك الشعبي، فتجاوزت الضغوط الداخلية.
بمعنى آخر، أصبح النظام السياسي الأردني متحررا من كل الضغوط، وصار بوسعه أن يطور مقاربة خاصة به للإصلاح. ليس هذا فقط، بل نموذجا يُقتدى من دول المنطقة!
لا يعجب هذا المنطق المعارضة "الحردانة"، لكن ماذا بوسعها أن تفعل؟ المنطقة من حولنا تغرق في الفوضى والعنف، وإلى أمد غير منظور. والشارع لا يتحرك على كبسة زر، وفقد شهيته للإصلاح الثوري، رغم ما يعانيه من ضغوط اقتصادية.
كانت التطورات في سورية وحدها كفيلة بتحرير النظام من الضغوط، لكن جاءت الأحداث في مصر فأحبطت المعارضة وشلت قدرتها على التفكير والحركة.
خطاب العرش أمس تحلل نهائيا من خطاب الربيع العربي بطبعته الأولى، وقدم الملك من خلاله تصورا جديدا لبرنامج عمل إصلاحي يمتد لثلاث سنوات، ويتطلب من البرلمان والحكومة إنجاز ما تأخر وما تقدم من تشريعات وسياسات في المجالين الاقتصادي والسياسي.
مضامين الخطة الملكية ليست محل خلاف؛ قانون جديد للانتخاب، ومشروع اللامركزية، ومعالجة جدية للتحديات الاقتصادية. وإذا لم تحدث تطورات مفاجئة تدفع بالدولة إلى مراجعة أولوياتها، فإن برنامج السنوات الثلاث مرشح لأن يشق طريقه للأمام.
هل يمكن للمعارضة أن تتكيف مع الواقع الجديد، وتعمل لتجويد مخرجات الخطة الوحيدة المطروحة للإصلاح من طرف الدولة، أم تبقى تراهن على الفشل فقط؟ وفي الجهة الأخرى، من يضمن التزام النواب والحكومة بتنفيذ برنامج الثلاث سنوات، بما ينسجم وطموحات الأردنيين التي تواضعت عما كانت عليه من قبل؟
(الغد)