مازالت القاعدة الراسخة عند الإنسان العربي «كل شي ببلاش كثّر منه».. فالمجّاني مستحبّ ومرغوب حتى لو كان عديم فائدة أو حتى مضرّاً للمجرّب نفسه، مثلاً قد تشاهد في «المول» مجموعة صبايا يروجّن لسلع «نسائية» خاصة جداً، في المقابل تجد معظم الراغبين في التجريب من الرجال.. والعكس صحيح.. إذا كان عرضاً مجانياً لصابون حلاقة، شفرات خمسة في واحد.. مقص شوارب.. تجد معظم المجرّبين من النساء.. كذلك المنشورات التي توزّع أمام المساجد، جل المصلين يمدّون أيديهم إلى موزّع المنشور بلهفة وإصرار، وما إن يحصل أحدهم على الورقة حتى يمزقها ويرميها في الطريق قبل أن يقرأها أو يكمل تفاصيل المكتوب بداخلها.
مع انتشار الـ«فيس بوك» تحوّل نفس تفكير «البلاش» المادي إلى «بلاش» افتراضي، بحيث هناك سباق محموم على الضغط على «لايك» أية صورة أو عبارة حتى لو كانت تقطر حزناً وألماً.. قبل يومين قرأت لأحدهم كتب على صفحته «إنا لله وإنا إليه راجعون.. انتقل والدي إلى رحمته تعالى مساء اليوم الجمعة، أرجوكم ادعوا له بالرحمة».. فحصدت هذه العبارة 285 «لايك».. ولا أعرف «لايك» على ماذا! هل أعجبك أن والد صديقك مات؟ أم أن فكرة الموت أعجبتك لتمهرها بـ«لايك»؟! أم أنك تشجعه على الخلاص من والده؟ ثم إن الرجل قال: ادعوا له بالرحمة وليس ادعوا له بــ«اللايك»!
نفس ما سبق ينطبق على حوادث السير، وأخبار اغتصاب الأطفال، وإجراء عمليات الزائدة الدودية، والباصور، وحروق الرقبة، وانفجار طنجرة الضغط بوجه المدام، والتفنيش من العمل، وكسر اليد، هذه أخبار سيئة وأحياناً محزنة، فلماذا يصر العرب على الإعجاب بها ورفع إصبع الإبهام لها؟!
أقترح على حبيبنا «مارك زكربيرغ» مؤسس «فيس بوك» ألا يكتفي بترجمة خيارات الإعجاب والمشاركة والتعليق من الإنجليزية إلى النسخة العربية فقط.. بل إضافة بعض العبارات التي تحفظ خصوصيتنا الثقافية، فبدلاً من «لايك» نضع كلمة «كفو».. أو «عفية».. وبدلاً من المشاركة نضع كلمة «لعيونك ولو».. ثم نضع بعض العبارات التي تدل عل التعاطف في المناسبات الحزينة، مثل: «دايم الله».. «لا حول ولا قوة إلا بالله».. «بالحديد ولا بالعبيد».. «سلامة راسك».. «لا يهم شواربك».. «بدنا خدمة تحرز»، وغيرها!