وعد بلفور: الإدانة الأولى له من الطفيلة
جهاد المحيسن
03-11-2013 02:06 AM
حدثني شيخ المؤرخين الأردنيين أطال الله في عمره، وأعطاه موفور الصحة الدكتور عبدالكريم الغرايبة، أن أول برقية صدرت من الوطن العربي تدين وعد بلفور، خرجت من الطفيلة، ونشرها أحد الباحثين في الكتاب الذي صدر تكريماً للأستاذ غرايبة، عن الجامعة الأردنية، ثم تلتها برقية تدين هذا الوعد من مدينة جنين في فلسطين المحتلة.
هذا الإحياء للتاريخ الوثائقي، يؤكد حقيقة واحدة لا مجال للشك فيها، أن فلسطين تشكل الفضاء العروبي الأول لكل مواطن عربي؛ وكل مناضل على الصعيد العالمي، فكانت الطفيلة الأولى في تأكيد رفضها وإدانتها لهذا الوعد حيث يحق لها أن تفخربموقفها الوطني الذي سجله لها التاريخ، وهذا التاريخ لا ينفصل عن الموقف الأردني والعربي، الذي يؤكد أن أي بوصلة لا تشير إلى القدس بوصلة مشبوهة!
فالكتابة عن فلسطين ولها والتذكير بوعد بلفور، والخراب الذي سببه في جسد الأمة، لا تأتي في سياق اجترار الآلام والبكاء على ضياعها، فلم يعد المجال العاطفي والبكائية تجدي نفعاً بعد مرور ما يقارب القرن على هذا الوعد، بل يأتي في سياق التحريض على التحرير، ونبذ الماضي والمضي قُدما لإنجاز مشروع التحرير، الذي لمسنا في السنوات الأخيرة بشائر النصر والإصرارعلى نهج المقاومة، ما ثبّت لدى الوعي العربي والمواطن العربي، أن المقاومة هي السلاح الوحيد للتحرير، وصمود غزة بعد العدوان الأخير عليها عزز هذا الشعور، وأكد أن الكيان الصهيوني كيان متهالك بالضرورة إذا أصبحت المقاومة هي الخيار الوحيد للعرب.
فرغم كل ما روّج من خدع على مر السنين، والحفر في التاريخ لإيجاد موطئ قدم للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، فقد فشلت كل دعاوى التاريخ المشبوهة التي تؤسس لهذا الوجود، فالفلسطينيون والعرب، وإن خبت جذوة النار لديهم، إلا أن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال أن فلسطين ليست عربية من البحر إلى النهر، وأن مسألة تحريرها تستدعي إحياء روح المقاومة التي أثبتت الأيام أنها الطريقة الوحيدة لتحقيق التحرير.
فالسلام الذي فرض عنوة، كان طريقاً من طرق السياسة الصهيونية، لتثبيت وجود الكيان الصهيوني في فلسطين، ولكن مُني هذا المشروع بفشل ذريع، والسلطة الفلسطينية ما تزال تراوح مكانها في تحديد موقف حاسم مما يعرف بالمفاوضات، خصوصا أن مسلسل الاستيطان يأخذ عنفوانه من شرعية السلام التي يقدمها على طبق التفاوض المر.
فقد كشفت الأيام لنا أن خيار السلام خيار الضعفاء، والعالم لا يحترم الضعفاء، لذلك نحن لا نكتب عن بلفور للندب والبكاء، بل لنحييَ نهجا موجودا أصلا لتعزيز ثقافة المقاومة.
وقد خطت الطفيلة من لحظة الوعد المشؤوم موقفها الوطني، الذي عبرت عنه برقية الإدانة، لتقف الطفيلة شاهدا على مفاصل مهمة من تاريخ الأردن الحديث.
(الغد)