إستراتيجية لإدارة الموارد البشرية كمدخل لتطوير القطاع العام
د.عبدالله القضاة
03-11-2013 01:37 AM
ذكرنا في مقال سابق ؛ أن هناك فرصة لتبني وتنفيذ إستراتيجية وطنية قادرة على إعادة الاعتبار للقطاع العام وتحقيق التميز في أداء مؤسساته ، وذلك لسببين أما الأول فيتمثل بوجود الارادة السياسية المؤمنة بالتغيير والتميز والداعمة له ؛ وأما الآخر فيتمثل بوجود الكفاءات الوطنية المؤهلة على تنفيذ الرؤى السامية عندما تعطى الفرصة الكافية لذلك ، واستكمالا لما سبق ؛ نتناول في مقالنا هذا أهمية وجود إدارة موارد بشرية فاعله كأحد دعامات الإستراتيجية الوطنية لتطوير القطاع العام.
تعرف إدارة الموارد البشرية بأنها الوسيلة الاستراتيجية والواضحة لإدارة أهم مورد بالقطاع وأغلاها قيمة ، وهو المورد البشري ، أي العاملين في المؤسسات العامة والذين يساهمون أفراداً وجماعات فى تحقيق أهدافها.
وتهدف ادارة الموارد البشرية الى ضمان وجود العدد الصحيح من الموظفين ذوي المهارات المطلوبة وفي الوظائف المناسبة في الجهاز الحكومي يؤدون مهامهم بجودة عالية، من خلال توفير الحوافز الداعمة لتغيير الأنظمة والسلوك ، وتدعيم مفاهيم المساءلة والخدمة العامة. على أن تستند هذه الأنظمة إلى المبدأ الذي يقضي بربط مسئولية تحقيق النتائج بالصلاحيات الممنوحة وتوفر الموارد المطلوبة.
والتساؤل : ما هي النتائج التي نطمح بتحقيقها في قطاعنا العام جراء تبني إستراتيجية وطنية ؛ وما هي متطلبات ذلك ؟!.
نطمح في الدولة الأردنية الى تعيين الموظف الكفؤ وترقيته بناء على الجدارة والاستحقاق ومنحه الرواتب والحوافز المناسبة وبناء قدراته من خلال برامج التطوير والتأهيل وضمان تكافؤ الفرص لكافة الأردنيين بالحصول على الوظائف القيادية ضمن معايير الحياد والشفافية.
وقد يتساءل البعض : الم ينص على هذه المبادئ في نظام الخدمة المدنية الساري المفعول ؟!، ثم الم تطبق الحكومة مؤخرا نظام لاختيار القيادات الادارية ضمن وظائف الفئة العليا ؛المجموعة الثانية ؛ إضافة الى توسيع نطاق نظام الخدمة المدنية ليشمل كافة مؤسسات القطاع العام ؛ باستثناء البنك المركزي ألأردني ؟!.
وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها ديوان الخدمة المدنية ووزارة تطوير القطاع العام في هذا المجال ؛ إلا أن هناك حاجة ماسة لتغيير فلسفة التعامل مع القطاع العام ، وهذه الفلسفة لن يتمكن القانونيين من تغييرها بمجرد نصوص غير مترابطة تهدف الى وضع مبادئ قانونية جامدة بعيدة كل البعد عن الممارسات الفضلى في الفكر الحديث للموارد البشرية والتطوير المؤسسي ؛ وعليه فنحن بحاجة الى مراجعة فكرية يقودها علماء وخبراء الإدارة ويأتي في ضوء مخرجاتهم دور المشرعين لقوننة الأفكار الحديثة على شكل نصوص وتعليمات !!!.
وفي ضوء هذا الفهم لفلسفة الإدارة العامة ؛ فإنني أقدم إطارا عاما لإستراتيجية مقترحة لتطوير إدارة الموارد البشرية في القطاع العام ووفقا للتصور التالي:
اولا: تطوير نظام للموارد البشرية للقطاع العام بحيث يتضمن المحاور الرئيسة التي تلتزم بها كافة مؤسسات القطاع العام ومن غير استثناء ، وهذه المحاور تشمل مايلي:
1- يسري على كافة موظفي الدولة نظام الدرجات الوظيفية والرواتب الأساسية المقررة لها وما يتصل بها من ترفيع جوازي ووجوبي ، على أن يحتفظ ديوان الخدمة المدنية بمهمة متابعة التزام المؤسسات بذلك.
2- يحتفظ ديوان الخدمة المدنية بالإشراف على عملية تعيين كوادر هذه المؤسسات وضمان أن هذه العملية تتم وفقا للاحتياج الفعلي كما ونوعا وفي الوقت المناسب.
3- يحتفظ ديوان الخدمة المدنية ووزارة تطوير القطاع العام بالإشراف على تطوير الهياكل التنظيمية الداخلية لهذه المؤسسات وتطوير اوصافها الوظيفية بالشكل الذي يتوافق وإستراتيجيتها المعتمدة.
4- يحتفظ ديوان الخدمة المدنية بصلاحية الموافقة لهذه المؤسسات بتعيين بعض شواغرها بموجب عقود وتحديد الرواتب المقررة لهذه العقود ، على أن تلتزم هذه المؤسسات ببناء قدرات كوادرها لشغل هذه الوظائف خلال فترة زمنية محددة.
ثانيا: تعطى المؤسسات العامة بموجب التشريعات ؛ وفي غير ما أشير اليه أعلاه ؛ الاستقلالية المالية والإدارية ؛ بحيث يترك لكل منها حرية اصدار التعليمات او التنسيب لمجلس الوزراء بإصدار أنظمة خاصة ؛ ومن ذلك الصلاحيات الإدارية والمالية التي تعطى لهذه المؤسسات لتمكينها من ممارسة استقلاليتها بما ينسجم والشخصية المعنوية والاعتبارية لها؛ وبالمناسبة فنظام الخدمة المدنية الحالي الغى مفهوم المؤسسة العامة في الدولة الأردنية ؛ ولا يمتلك مدير عام أي مؤسسة نقل موظف من وظيفة لأخرى او صرف مكافأة زهيدة من غير موافقة الوزير المعني !!!.
وربما يتساءل البعض عن الخصوصية التي تحتاجها كل مؤسسة عامة ، وهنا نقول ؛ وتحقيقا للمرونة الإدارية ؛ فإن بعض المؤسسات تحقق إيرادات مالية وبعضها لا تعتمد على خزينة الدولة ؛ وطبيعة عمل بعضها يستدعي الخطورة أو وفق نظام الورديات ؛ وعليه فتعطى هذه المؤسسات صلاحية في منح الحوافز والمكافآت والمزايا الوظيفية الاخرى كالتأمين الصحي وفق أنظمة خاصة وتتطور هذه الأنظمة وفق نتائج أدائها الكلي ، فعلى سبيل المثال تكون حوافز موظفي ضريبة الدخل والجمارك وفقا لنسبة الإنجاز الكلي التي تتحقق او تزيد عن المستهدف السنوي المقرر في الإستراتيجية المعتمدة.
إن تطبيق هذه الإستراتيجية يتطلب التحول في وظيفة ديوان الخدمة المدنية نحو الرقابة على تطبيق سياسات الموارد البشرية للقطاع العام ؛ ودعم المؤسسات العامة بالتحول التدريجي إلى اللامركزية في إدارة الموارد البشرية لتمكينها من إنشاء وتطبيق سياسات وإجراءات فاعلة وكفؤة في مجال إدارة الموارد البشرية ؛ و تيسير عملية توفير الخدمات المركزية الخاصة بالموارد البشرية وبشكل خاص التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية (بما فيها برامج الإحلال للإدارة العليا) وبرنامج إعداد القادة ، وبناء قاعدة بيانات مركزية للموارد البشرية ، إضافة إلى تطوير إستراتيجية للتدريب سنتناول ملامحها في مقال قادم.