لم تكن مفاجِئة نتائج استطلاع الرأي الأخير الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية حول حكومة د. عبدالله النسور.
رئيس الوزراء كان واقعيا، فتوقع تراجع شعبيته قبل صدور النتائج رسميا يوم الأربعاء الماضي، وذلك في مقابلة خاصة مع "الغد"، تُنشر تفاصيلها غدا.
النسور يرى أن ثمة مبررات لتلك النتائج، أهمها القرارات الاقتصادية القاسية التي اتخذتها حكومته خلال الأشهر الماضية، كعلاج للأزمة المالية الخانقة التي طالت الخزينة إبان تسلمه لمهامه رئيساً للوزراء قبل نحو عام.
الرئيس اعتبر نفسه الطبيب الذي قدم الدواء المُرّ للمريض، معلّقا على تراجع شعبيته بأن "الشاكي لا يُحبّ أن يرى الطبيب"؛ وليظهر كسياسي محنّك، قادر على قراءة المزاج العام والتكهن به بعد كل ما نفّذته حكومته في المجال الاقتصادي.
وإذ يبدو طبيعياً تراجع شعبية الرئيس وفريقه في ظل النهج الاقتصادي المطبّق، إلا أن ما ليس طبيعيا هو اعتقاد نحو ثلثي العينة الوطنية بأن الأمور، بعد تناول دواء الطبيب المُرّ، لا تسير بالاتجاه الصحيح.
كانت الأمور تستوي لو أن الشعبية تراجعت، مع توقعات بأن يسير البلد بالاتجاه الصحيح. بيد أن الحاصل هو اتساع الفجوة بين المستويين الرسمي والشعبي، ما يعكس فشلا في قدرة السياسات الحكومية على فتح نافذة أمل تخفف من مخاوف الأردنيين بشأن المستقبل.
مقولة الرئيس "إن الشاكي لا يحب أن يرى الطبيب"، لا تبدو بمجملها دقيقة؛ فلو أن المريض استشعر تحسنا في حالته، وتراجعا في درجات الحرارة وانخفاضا للضغط، لقدّر للطبيب فعله رغم الألم ومرارة العلاج.
ليس دقيقا أن الشعبية هبطت فقط بسبب تلك القرارات، ولأن المريض لا يحب الطبيب؛ إذ ثمة مفارقة تُضعف هذا التحليل، يشير إليها ذات الاستطلاع الأخير، وتتمثّل في أنّ شعبية الرئيس لم تنخفض عندما أعاد تشكيل الحكومة في نيسان (أبريل) 2013، ولا في استطلاع "قضايا راهنة" الذي أُجري في كانون الأول (ديسمبر)، 2012، رغم أنّهما جاءا بعد رفع أسعار المشتقات النفطية، وما تلاه من احتجاجات.
ومن ثَمّ، يكون التوقف عند النتائج من قبل الرئيس وفريقه، ضرورة؛ لمحاولة استخلاص العبر وتشخيص الوضع وتقويم الاعوجاج، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، خصوصا أن سقوط الحكومة في التقييم كان لدى العينة الوطنية والنخب على حد سواء، وهي نتيجة لم "تحرزها" أي حكومة من قبل، لاسيما على صعيد النخب التي يُفترض أن تُقدّر ما فعله النسور، بسبب اطّلاعها على ماهية الوضع، ويُفترض أنها تتفهم اضطرار الرئيس لإتيان مثل تلك القرارات الاقتصادية الصعبة.
اقتصاديا، تبدو الحكومة ماضية في تنفيذ خطتها بمواصلة إلغاء الدعم عن السلع والخدمات، وإنفاقها من أموال المنحة الخليجية والخزينة على مشاريع رأسمالية، وإجراء تعديلات تشريعية أبرزها قانون الضريبة الذي أُقرّ في جلسة مغلقة قبل شهر، وقُدّم في واشنطن لصندوق النقد الدولي كواحد من متطلبات الإصلاح، إضافة إلى قوانين أخرى مثل قانون الاستثمار.
أما سياسيا، فلم تُحدِث الحكومة فرقا، وما تفكر فيه مؤجل إلى حين. إذ هي تسعى، مثلا، لفتح حوار بشأن نظام انتخابي لا يقوم على الصوت الواحد الذي يرفضه النسور نفسه. كما أن الرئيس كان يطمح لتحقيق فكرة الحكومة البرلمانية التي فشلت.
النسور يؤمن أن كل ما ينفّذه نابع من شعور وطني بعدم التخلي عن المسؤوليات. ويؤكد أنه لا يهرب من المسؤولية كغيره من الليبراليين الذين فروا من القيام بواجبهم، فيما صمد هو على الجبهة، وفعل ما يمليه عليه ضميره. لكن بين ما يراه النسور وبين تقييم النخب والعينة الوطنية ثمة بون شاسع، فأين الخطأ؟
ربما فشلت الحكومة في إِحياء آمال المريض بإمكانية الشفاء من فقره وبطالته، لأنها لم تضع خطة موازية لـ"العلاج التلطيفي" بعد كل هذه العمليات الجراحية؛ وإلا فأين آلاف فرص العمل التي وعدت بها؟ ولماذا لم يلمس الناس إلا وجها واحدا لنتائج عمل الحكومة؟
(الغد)