ما جرى في بعض دول ما سُمّي بالربيع العربي، اختصره كفاح نصر في حكاية صغيرة تقول: بأنه كانت هناك قرية اعتادت على أن تدفن مع موتاها بعض الذهب، فحدث أن ظهرت عصابة راحت تنبش القبور وتسرق الذهب، وتعيد دفن الموتى. مات زعيم العصابة، فلم يترحّم عليه أحد. استلم نائبه القيادة بعده، فغيّر استراتيجيّته، وبدأ بنبش القبور وسرقة الذهب وتْرك الجثث في العراء، فارتفعت أصوات أهل القرية مترحّمةً على الزعيم السابق.
توالت الأحداث في الوطن العربي التي أثارها مشروع الياسمينة الزرقاء الأمريكي الذي بُدِءَ التخطيط له منذ عام 1999 ولم يكن القرار 1559 إلا تمهيداً لبدء تجنيده ثم للبدء بتنفيذه في العام 2001، وذلك لتفتيت الدولة العربية من الداخل، وبالتالي تقسيم العالم العربي. ففي إشعال الحرب الطائفية في سوريا والعراق قَبْلها، فإن الأمريكي لن يقضي على القضية الفلسطينيّة فحسب، بل يكون قد سيطر على أهم المعابر الإستراتيجيّة في العالم من أوكرانيا إلى سوريا مروراً بتونس ومصر واليمن، ولن يبقى أمامه عقبات سوى روسيا البيضاء والجزائر اللتين ستكونان تحصيل حاصل للفوضى الخلّاقة.
ومع النزاعات الطائفيّة سَتُشْغِل واشنطن روسيا نفسها والصين بالإسلام التكفيري، وبالتالي يغدو مشروع الفوضى الخلّاقة هذا، هو الحل الوحيد أمام الأمريكي لتحقيقه من خلال خطة كاملة لإرباك العالم وإعادة ترتيبه. إلا أن هذا المشروع واجه سلسلة من الإخفاقات كان أولها فشل العدوان على لبنان عام 2006، ثم فشل العدوان على غزة 2008، وبعدها سقوطه في ليبيا انتهاء بهزيمة مقولة الحل العسكري وبتراجع إمكانيّة َتَدَخُّل الناتو في سوريا، الأمر الذي وصل إلى درجة الإستحالة، بالرغم مما طفا على السطح من تهديدات أمريكية بضرب سوريا، وقبل ذلك تراجع أمريكا، التي كانت قد دعت علناً إلى ضرورة تسليح المقاومة في سوريا، عندما طلبت هيلاري كلينتون من المقاومة عدم إلقاء سلاحها.
إلا أن الأمور قد وصلت مؤخراً إلى إعلان كيري، أنه سيحاول إقناع أصدقائه في الغرب باستحالة اتخاذ الحل العسكري، وبالتالي لابد من اللجوء إلى الحل السياسي، خاصة بعد الوصول مع روسيا إلى اتفاق تدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا. وأضاف أنه سيدعو المقاومة إلى ضرورة حضور مؤتمر جنيف 2.
وقد تساوق ذلك كله مع عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن توريط أردوغان، الذي لم يتجرأ على التدخل في خلق منطقة عازلة لمفاوضة سوريا عليها، مما دفع الأمريكي إلى الضغط على جامعة الدول العربية، حيث سبق أن إتُّخذ هذا الغطاء لتأمين الدخول إلى العراق والإنسحاب منه، ومن ثُمَّ مد الأزمة السورية حتى تتمكن أمريكا من تأمين بديل غازي قبل العام 2014، ومن ذلك عقد صفقة مع طالبان لتأمين نقل الغاز الأذري عبر باكستان إلى أوروبا، وما يعنيه ذلك من تأزيم للاقتصاد الروسي، بالتزامن مع محاولة تأمين سلام (ولو صوري) في الشرق الأوسط، عبر فرضه بالقوّة، أو من خلال حرب إسرائيلية على غزّة، أو جر إسرائيل إلى مفاوضات سلام، وهذا ما تجري محاولته الآن.
لم يقل أحد إننا، في العديد من بلداننا العربية، كُنّا نعيش «قَمْرا وربيع» ولكن على الأقل كنا ننتظر القادم من الأيام بكل أمل ورجاء، مستعيذين بالله من أن ننحدر إلى مهاوي الإضطراب والارتباك والاقتتال بين بعضنا بعضا.
وحتى نستكمل الصورة لابد من إفراد حديث خاص حول نادي «بيلدربرغ» الذي أصبح هو الحاكم الفعلي للعالم، وهو غير مسؤول أمام أي شعب، ولا يمكن محاسبته، بالرغم من أنه يقوم بأفعال تغيّر كثيرا من مسارات القضايا الدولية. ولنا برفقه كفاح نصر الذي تحداثنا معه منذ البداية عودة إلى قراءة هذه الفقرة من أحداث المنطقة.
(الرأي)