عمون - كتب وائل الجرايشة - منذ اليوم الأول لدخوله بوابة مجلس النواب كرئيس حكومة مغادراً مقعده الأثير تحت قبة البرلمان كنائب، بدا رئيس الوزراء عبد الله النسور وكأنه رجل إطفاء يُخمد الحرائق، الواحدة تلو الأخرى.

البرلمان، الذي وُلد مع الأيام الأولى من العام الحالي والساعي للشعبيّة، وجد في أحضانه حكومةً غير شعبيّة يقودها رئيس حرّر للتو أسعار المشتقات النفطيّة ورفع الدعم عن المواطنين، وغدت نتائجها وبالاً يتصاعد حدّته مع وتيرة الشعب الغاضب.

لم يرتح النسور يوماً مع مجلس النواب السابع عشر الذي عقد دورتين (غير عادية) و(استثنائية)، وستنطلق دورته العادية الاولى مطلع الاسبوع المقبل، وظلت العلاقة بين الطرفين "مشحونة".

• مذكرات حجب:

في استعادة لشريط الذكريات بين حكومة النسور والنواب؛ تقدم البرلمان بثلاث مذكرات لحجب الثقة عن الحكومة؛ الأولى تتعلق بامتناعها عن طرد السفير الإسرائيلي من عمّان، وثانيتها بسبب الأوضاع الاقتصادية في البلاد والثالثة رداً على رفع أسعار الكهرباء.

النسور استطاع تجاوز هذه المذكرات وتمكن من التغلب عليها لأسباب متفاوتة بين "الإنزال المظلي" و"الحلفاء البرلمانيين"، و"دهائه السياسي" من خلال اختراقه المجلس عبر التواصل مع النواب بشكل فردي مستفيداً من هشاشة الكتل وضعفها ما اصاب أي تحرك برلماني ضده بمقتل.

• مواجهة مبكرة:

بعد (3) أسابيع من انعقاد اولى جلسات مجلس النواب السابع عشر ارتفعت أسعار النفط عالمياً وانعكست محلياَ بعد ربطها بالأسعار الدولية فهاجم البرلمان الحكومة بقسوة بالغة وهدد وتوعد النسور، فاستمهل الأخير وقتها مجلس النواب أياماً معدودات من أجل بحث امكانية العدول عن رفع الأسعار لكنه جاء بذات المبررات التي ساقها في شهر تشرين اول حينما اندلعت أعمال عنف في أعقاب تحرير الاسعار.

انتهت تلك الجلسة بأحداث غريبة أنقذت النسور من الموقف، فظهر الاحتجاج النيابي بشكل غير منظم وبطريقة لاقت استهجان المراقبين بعد ان انتهت بمشاجرة وضع خلالها نائب يده على جنبه واظهرت الصورة الملتقطة طرف سلاح ناري "مسدس" كان يتحزم به النائب، فآلت الامور الى رفع الجلسة التي كان يغيب عنها رئيسها الأصلي وأدارها نائبه.

• تسمية الرئيس:

بعدها دعا الملك النواب تسمية رئيس الحكومة كخطوة اولية للوصول الى حالة "الحكومات البرلمانية"، وعقدت الكتل النيابية والمستقلون لقاءات مع رئيس الديوان الملكي.

انتهى المطاف ومع ضيق الوقت بتسمية الكتل لمرشحيها ومن الكتل من رشحت النسور وتراجعت عن مواقفها في العلن بعد الاختلاف في التوافقات لكن الأوراق الرسمية التي وصلت رئيس الديوان فايز الطراونة كانت تتحدث بخلاف رغباتهم التي جاءت متأخرة.

النسور كان في الواجهة وانحسرت وقتها البدائل وشحّت الفرص حتى باتت المنافسة بينه وبين وزير داخليته عوض خليفات، لترجَحَ كفته مع عدم قدرة البرلمان والكتل النيابية على استحداث وطرح أسماء جديدة.

• مشاورات الثقة:

كلف الملك النسور رئاسة الحكومة الجديدة بناء على معطيات المشاورات النيابية والاوراق التي رُفعت للديوان، فاعلن بتاريخ 9 / 3 / 2013 عن رئاسة النسور للوزارة الجديدة.

الرئيس المكلف كان يتعهد للنواب بعدم رفع أسعار الكهرباء إلا بعد العودة لمجلسهم، كما انه غازلهم كثيراً وهو يلمح تارة إلى امكانية اشراكهم في حكومته وبين التصريح عن صعوبة انضمامهم خشية على الكتل وتماسكها وهو ما اعتبره نواب "نظرة ابوية" غير مقبولة من رئيس الحكومة.

خضعت مشاورات الثقة الى وقت طويل امتدت لنحو الشهر التقى خلالها النسور الكتل النيابية لاكثر من مرة وعقد صفقات كثيرة واطلق وعوداً نيابية، وكان الامل يحدو بعض البرلمانيين باندماجهم في الحكومة قبل أن يقطع الملك الطريق عليهم برفض فكرة "وزرنة النواب" في تلك المرحلة.

• جلسات الثقة:

حملت جلسات الثقة نقداً قاسياً وساخناً لرئيس الحكومة، وتقصّد عدد من النواب تذكير النسور بمواقفه السابقة إبّان كان نائباً في مجلس النواب السادس عشر.

تسبب يوم التصويت على الثقة (23/ 4/ 2013م ) بإحداث شرخ كبير وانقسام واضح في مجلس النواب بعد أن تحالفت ضد النسور قوى محسوبة على التيار المحافظ وأخرى تميل الى الحراكات والشارع المندد بحكومته، وأدى هذه الخلط غريب المعالم الى حصول النسور ووزارته على ثقة قريبة من "الحافة" بفارق (6) أصوات عن الاطاحة بها، وكان لكل فريق نيابي مبرراته بمنح او حجب الثقة.

عقب الثقة اعلن وقتها النواب المتحمسون لإسقاط حكومة النسور عن إنشاء تحالف عريض (حكومة ظل) على غرار الدول المتقدمة، ودخل البرلمان والحكومة فصلاً جديداً من فصول التأزيم لكن التيار المناهض لم يصمد طويلاً بعد عقد اجتماعات قليلة لم تفض الى نتائج ملموسة وآل الى التفسخ على غرار الكتل المتآكل دورها.

• معارك متجددة وأول مذكرة حجب:

فلت الرئيس من عدة معارك جانبية بعدها، وتلاشت المواجهة لفترات محدودة رغم الأجواء المتوترة التي غلفت المشهد السياسي بين الحكومة والبرلمان، لكن الأزمات ظلت تتوالى وكان اسخنها تلك التي حصلت في شهر ايار 2013 احتجاجا على المساس الاسرائيلي بالمقدسات الاسلامية في القدس.

يومها تبرع وزير أوقاف النسور بشرح مجريات الأحداث والاعتداءات الإسرائيلية وشرح موقف الحكومة الحازم، لكن مرة الاخرى تأتي النتائج عكسية فانتقلت الحكومة من مرحلة الهجوم الى الدفاع بعد أن انقض المجلس على الحكومة مطالبين بقطع العلاقات مع اسرائيل وطرد السفير الاسرائيلي من عمان.

وصدرت مذكرة حجب هي الاولى من نوعها بحق الرئيس النسور تبناها النائب يحيى السعود إثر رفض حكومته طرد السفير الإسرائيلي من عمان واستدعاء سفير المملكة بتل ابيب، وبعد أن وقع نحو (88) نائباً على تلك المذكرة اختفت فجأة بل أنها ضاعت وضاع الحديث عنها.

بعدها اصطدمت حكومة النسور بحادثة الاعتداء على اردنيين في المركز الثقافي الملكي من قبل عناصر السفارة العراقية في عمان بحضور سفيرهم، فعمّت الاحتجاجات الشوارع وعلى وقع هذا الغضب الشعبي وجدت الحكومة نفسها امام موقف محرج للغاية خاصة مع التقارب الاردني العراقي والبحث عن تنفيذ الانبوب العراقي الذي سيمد المملكة بالنفط، وسعى وقتها وزير الخارجية ناصر جودة لاخماد النيران المتجددة التي هبّت على حكومة رئيسه واوضح جودة ردة فعل الحكومة والبيانات الصادرة من العراق والمنددة بالحادثة.

• مذكرة حجب مجدداً:

تصاعدت تحركات الحكومة من أجل اقناع النواب بقرار رفع اسعار الكهرباء وهنا ظهرت الى السطح مذكرة حجب جديدة ضد الحكومة تبنتها النائب ردينة العطي لكن الاجراءات كانت ضعيفة ولم تفض الى نتائج ولم تلق المذكرة زخماً يذكر.

* رفع الكهرباء:

النسور ما زالت قريحته متفتحة على مزيد من رفع الاسعار، وروّج مبكراً لقرار رفع أسعار الكهرباء، وشرح مطولاً الأعباء التي يتكبدها الاردن جراء فقدان الغاز المصري وتراكم ديون شركة الكهرباء وسط دعم حكومي للمواطنين.

رئيس الحكومة الذي اكد سابقاً أنه لن يقوم برفع اسعار الكهرباء الا بعد العودة الى مجلس النواب وشدد على ذلك خلال مفاوضاته النواب اثناء مشاورات الثقة، عاد فعلا الى مجلس النواب وجلس مع لجنة الطاقة النيابية وتوصل الطرفان الى اتفاق بعد ماراثون مفاوضات.

نواب في البرلمان لم يرق لهم حتى الاتفاق فمبدأ رفع اسعار الكهرباء مرفوض من اساسه، ومنهم من اعتبر خطوة النسور هدفها اشراك المجلس بوزر تلك الرفعة وقد حصل ذلك حينما اقر البرلمان بتاريخ 18 / 6 / 2013 م قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2013 والذي يتضمن بنداً يوافق على قرار رفع أسعار الكهرباء ضمناً.

• ضريبة الخلويات والملابس:

في شهر تموز 2013 رفعت الحكومة الضريبة على الهواتف الخلوية ما احدث ردة فعل سلبية في الشارع الذي يستخدم الهواتف المتنقلة بشكل كبير، واصبحت مثار سخط على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

تدخل البرلمان من خلال لجانه النيابية وعقد لقاءات مع رؤساء الشركات العاملة دون حصول أي نتيجة بينما أكدت قيادات في قطاع الاتصال أن هذا الأمر سيؤثر على القطاع والاستثمار في هذا المجال على المدى البعيد.

لم تأخذ النقاشات النيابية حول الموضوع نصيباً وافراً من وقت المجلس لكن الانتقادات النيابية ظلت موجودة لكنها غير منظمة ولم تحصل ردة فعل.

وتبع رفع ضريبة الخلوي رفع الضريبة على الملابس المستوردة (في شهر ايلول) فزاد من الاحتقان النيابي ضد رئيس الحكومة، ولكن النواب لم يكن بمقدورهم الا التندر والاستهجان عبر التصريحات الاعلامية او تدوين ملاحظاتهم على صفحات فيس بوك كون البرلمان ينظر في القوانين الواردة حصراً على الدورة الاستثنائية ولا يمكنه مناقشة غير ذلك.

* مذكرة حجب ثالثة :

في هذه الاثناء صعدت الى الواجهة مذكرة حجب ثالثة تبناها النائب محمد الرياطي كانت تنتقد السياسة الاقتصادية لحكومة النسور، ووصلت هذه المذكرة الى خط فاصل ومهم وعرضت على البرلمان لكن المفاجأة تمثلت بطلب البرلمان تأجيل النظر فيها.

كان التأجيل من مجلس النواب لمذكرة الحجب التي جاءت في أواخر أيام عمر الدورة غير العادية، والارجاء يعني أنها ستذهب المذكرة ادراج الرياح لانفضاض الدورة بعد ايام، كما وجه نواب النقد لتبرعهم بإرجاء مناقشتها بدلاً من قيام الحكومة طلب هذا الامر.

• التوقيت الشتوي والضمان:

ومن المطالبات النيابية التي لم تستجب الحكومة لها (التوقيت الشتوي) الذي رفضت الحكومة العودة اليه بعد توحيده بقرار صادر عن مجلس الوزراء العام الماضي وفي مستهل استلام النسور لوزارته بينما كان الاردن في حالة فراغ تشريعي (بين برلمانيين – 16 / 17).

كما أن الحكومة اصرّت على اعتماد قانون ضمان اجتماعي تبنته المؤسسة التي يرأس مجلس ادارتها وزير العمل، وناكفت الحكومة البرلمان ودافعت عن موقفها واقنعت مجلس الأعيان الذي خالف رغبة النواب المتناغمة مع مطالبات شريحة واسعة من الاردنيين.

وبعد مد وجزر واقرار النواب ورفض الاعيان ومن ثم اقرار النواب ورفض الاعيان مجدداً وقبيل عقد جلسة مشتركة بين شقي مجلس الأمة ووسط رجاحة كفة الموازين للتصويت لصالح مجلس النواب صدرت الارادة الملكية وبتنسيب من الحكومة بفض الدورة الاستثنائية رغم المساحة الزمنية المتاحة دستورياً التي كانت كافية لعقد جلسة مشتركة بين الاعيان والنواب.

• نواب يختلفون على النسور:

وخلال مسيرة النواب والحكومة الحالية يمكن رصد حالة تشنج واضحة بين أعضاء مجلس النواب خصوصاً بين مناوئين شرسين للرئيس وآخرين مدافعين عنه بضراوة.

وكان ملاحظاً المماحكات التي تجري بين الطرفين وصلت الى حد الملاسنة والشجار والاشتباك بالايدي وظهور مسدس على جنب نائب، وانتهت بحادثة وصلت اصداؤها أسقاع الارض حينما حدثت مشاجرة استخدم فيها السلاح الاوتوماتيكي في حرم البرلمان وهي حادثة هي الاولى من نوعها في تاريخ الاردن استدعت فصل نائب وتجميد عضوية آخر.

وتخلل هذه الاحداث ما جرى يوم الثقة حينما حصلت حالة من عدم التوازن تحت قبة البرلمان وامتدت الى الشرفات من صيحات وخلافات وفوضى عارمة، دفع رئيس الوزراء النسور الى التنديد بها بقوة في الجلسة التالية بقوله "أنا الذي كنت يوما في عين العاصفة .. قاتلهم الله.. افسدوا علينا فرحتنا".

• شتاء قارس بانتظار الحكومة:

هذا الشريط المليء بالتأزيم بين السلطتين يبدو في طريقه الى التراكم مع حديث الحكومة الدائم عن تبديل آلية الدعم للخبز ووسط اطلاق اقطاب برلمانيين تهديدات بالاطاحة بالحكومة.

يُنبئ هذا المشهد بشتاء قارس ستقضيه الحكومة مع البرلمان في الأشهر المقبلة، ولا يمكن معرفة إن كان النسور سيطفئ تلك الحرائق المحتملة ويترك وحيداً أم أن فريق انقاذ سيساهم في عملية الإخماد.. وبين هذا وذاك هل يشعل النواب الموقف مع الحكومة؟