لماذا لم ننجح في بناء مجتمع الدولة المنظم
نصوح المجالي
31-10-2013 10:59 PM
بعد مرور قرابة تسعين عاماً على بناء الدولة الأردنية الهاشمية التي قامت بالاساس على نظرة اوسع لدولة المشرق العربي الخارج من عتمة الحقب الاخيرة للدولة العثمانية التي طحنت البلاد العربية بالتخلف والطغيان والتهميش، دولة الاستقلال العربي والحرية والنهضة والديمقراطية بقيادة الهاشميين.
كانت دولتنا الأردنية من اوائل الدول العربية التي اخذت بآليات الحكم الحديثة, مجالس اهلية وبرلمانات وحكومات وقوانين حديثة, وكان لنا قيادة هاشمية منفتحة على التغيير مدركة لحجم المؤامرة التي حاكتها دول الغرب والصهيونية على المنطقة العربية.
لقد بنينا دولة ترسخت اركانها ومؤسساتها ونهضت بمجتمعها برعاية المواطن في تعليمة وصحته ووفرت له شبكة من الخدمات الضرورية لحياته, ومنظومة امنية عالية الكفاءة، جيش واجهزة امنية وعشرات الجامعات، وبالقليل الذي بين ايدينا حققنا الكثير الذي لم يتوفر لبلدان كانت مواردها اكبر من مواردنا, إلا اننا رغم كل ما تحقق ورغم اعتدال دولتنا وقيادتنا, لم ننجح في احداث نقلة نوعية في بنى الدولة الاجتماعية, اذ ركزنا على بناء مرافق الدولة الرسمية بينما بقي المجتمع الاهلي كقبيلة كبرى تابعة للدولة لم يطرأ عليها الا القليل من اشكال التنظيم والتطوير.
فلماذا لم يفلح الأردن حتى الان في ايجاد صيغة حديثة لتنظيم المجتمع الاهلي خارج اطار صيغ ما قبل الدولة (سؤال موضع اهتمام في مداولات جمعية الشؤون الدولية).
لقد خرجنا من حياة القبيلة في العشرينات من القرن الماضي تدريجياً الى حياة الدولة وحملنا للدولة افضل ما في القبيلة من نخوة ورجولة والتزام ووفاء وكان يفترض ان تتشكل خلال تسعين عاماً من تطور الدولة, اطر اهلية جديدة وحديثة منظمة تحل محل القبيلة والجهوية في التعبير السياسي، فأهل القبيلة لم يعودوا بدوا رحلا, بل من الحضر وابنائهم من خريجي ارقى الجامعات ومن رجال الدولة والنابهين في كل مجال في المجتمع.
ولا يختلف الامر لدى اخواننا الاردنيين من ابناء فلسطين فهم ايضاً ابناء عائلات وعشائر وما حققوه كبير في مجال التقدم.
كان يفترض لهذا الانصهار الخيّر الذي جرى في وطننا ان يؤطر بشكل جديد لتشكيل اجتماعي اهلي متعدد يعكس التزام شعبنا بقضاياه المشتركة والأمل باتحاد العالم العربي وتلاحمه, على قاعدة القيم المشتركة, من ثقافة ودين ولغة وارض عربية متصلة والتطلع لبناء دولة ديمقراطية حديثة، لكننا عملياً تقوقعنا داخل صيغ الماضي القديمة, وبدل أن نعزز الروح الوطنية بالتنظيم الاجتماعي الاكثر تطورا الذي يخدم مصالح المجتمع ويسمح بتعدد الرؤى والمصالح والتقائها وبإحداث نقلة نوعية في تشكيل المستقبل الاجتماعي والسياسي لبلدنا, تركنا المجتمع على الحالة الاجتماعية والتشكيل الاجتماعي الذي ساد قبل قيام الدولة، والذي فقد اهم عناصره الاساسية الزعامة الاجتماعية الاهلية الفاعلة التي لعبت دوراً في الماضي في قيادة المجتمع.
لقد مررنا بتجربة حزبية مبتورة في خمسينات القرن الماضي ساهمت بتعقيداتها وظروفها بتعطيل فرص تنظيم المجتمع الأردن في اطر سياسية واجتماعية حديثة قرابة اربعين عاماً.
ومنذ عام 1989 البداية الثانية لتجربتنا الديمقراطية وفكرة التنظيم المجتمعي وفق متطلبات الحياة المعاصرة والديمقراطية الحديثة مطروحة لكنها تحبو وتدخل في اطر مفتعلة لا تلبث ان ترتكس تارة بفعل مخاوف رسمية وامنية، او بفعل يأس المجتمع من امكانية احداث هذا التغيير، ولهذا جاءت تشكيلاتنا في البرلمان والحكومة في الاغلب على قاعدة خيارات فردية (نسميها مستقلة) تعبر عن عشوائية الواقع الاجتماعي وليس عن مجتمع اهلي منظم قائم على تنوع المصالح وقوة الرأي العام.
قرابة قرن من عمر الدولة أولينا كل العناية لتنظيم مؤسسات الدولة الرسمية دون تنظيم المجتمع الاهلي قاعدة الدولة، وخلقنا قيادات موظفين رسمية لمجتمع الدولة واعتبرناها قيادات اجتماعية، وفي الحقيقة بقي المجتمع بدون تنظيم اهلي حقيقي وبدون زعامات اهلية فاعلة ، لقد نجحنا في انشاء دولة موظفين واهملنا بناء مجتمع اهلي له تنظيمات وزعامات اهلية نابعة من طبيعة دور هذه الزعامات في خدمة مجتمعها.
السؤال لماذا بعد تسعين عاماً لم نخرج من دولة الموظفين التي تجر المتجمع وراءها الى دولة المجتمع الذي يقود الدولة ولماذا اخفقنا في امتحان تنظيم مجتمع الدولة.
الراي