قرأت عدة مقالات حول الانتخابات العامة والعشائر الأردنية . ومع احترامي لكتابها ، وحريتهم الأردنية حتى في انتقاد مجتمعهم المدني في وطننا الذي ارتفع فيه سقف الحرية بيد مليكنا المفدى إلى السماء إلا أنني أعتقد أنهم خاضوا في بحر اجتماعي سياسي أردني عميق لا تقدر دراسة عاجلة موجزة أن تعطيه ما يستحق من الانتباه والاهتمام . يكفينا دليلا على ذلك قول كبير منهم:
" مؤسسات المجتمع المدني هي البديل ( أي عن العشيرة) ؛ والأحزاب هي الإطار الذي يجب أن تتكون فيها الرؤية للمصالح والتمثيل واختيار الأنسب والأكفأ ؛ أما العودة إلى العشيرة كوحدة سياسية يجري الاقتراع فيها لاختيار المندوب إلى البرلمان أو البلدية أو خلاف ذلك من الأطر المشكلة للدولة ففي ذلك مخاطر ترتهن تطور الدولة وتصادر حداثتها وتعيدها إلى مراحل النشوء المبكر وتشل قدرتها على التواصل والريادة."
إنه يريدنا ؛ وأن نشطب أسس حضارتنا المدنية ؛ وأن نستبدل ثقافتنا التي تحضنا على انسجام وتواصل ووحدة العائلة. بتلك الفقرة الموجزة يدعونا واحد منا أن نلغي جذور مجتمعنا الأردني ؛ وأن نمحو عاداتنا وتقاليدنا والأسرة الممتدة والعشيرة في الحقوق والواجبات والمسؤوليات المشتركة التي تشكل الأساس القويم الرادع ضد اضطراب الأمن والسلام المحلي والوطني ؛ وتساعد على تحقيق العيش الكريم ، والضمان الاجتماعي التطوعي العفوي.
تلك الفقرة الموجزة تمحي الفارق القاطع بين وحدات المجتمع المدني: الفرد ، العائلة ، الأسرة ، الأسرة الممتدة ، والعشيرة أو المجتمع المحلي وما شابه ؛ وبين النادي ، الحزب ، المحافظة ، الوزارة ، المحكمة ، المؤسسة ، الشركة ، مجلس الأمة ، الصحافة ، الشرطة ، الجيش ، وما شابه من مؤسسات المجتمع المدني. ولم توضح أن وحدات المجتمع المدني تقام بالتقاليد والأعراف والعادات والقانون الطبيعي ؛ وأن مؤسسات المجتمع المدني تقام بالدستور والقانون والنظام. أما العامل الأهم المشترك بينهما فيبقى إرادة الشعب النابعة من حرية الفرد في اختيار مصالحه ومن ينوب عنه في وحدات أو مؤسسات المجتمع المدني ... بعبارة أخرى الدولة التي يشاء .. الأمة التي ينتمي إليها .. الرابطة التي تقيم المجتمع السياسي المدني.
منذ قيام فلسفة أرسطو 384 ق.م وحتى اليوم الذي نحن فيه ،
وفي غالبية دول العالم ؛ خاصة في المجتمعات الإسلامية لا زالت رابطة العائله أقوى روابط المجتمع المدني. ذلك لأنها تشتد بوحدة الرجل والمرأة المبنية على المشاعر والعواطف الإنسانية الطبيعية ؛ وتزداد رابطة العائلة قوة وضمانا بالأبناء والبنات لتكون العائلة المباشرة التي يسيطر عليها الأب والأم ، وتعمل بتضامن قريب لخيرها والحصول على ممتلكاتها وأسباب عيشها والدفاع عن أمنها وسلامها. ثم طور تفكيره إلى روابط العائلة مع العائلات الأخرى لتكوين العائلة الممتدة في موقع معين يسكنه بالتضامن والتعايش والتعاون " أبناء الأبناء وأبناءهم " وعائلاتهم مما يشكل حسب مفاهيمنا الحالية في الوحدات الاجتماعية: الأسرة ، العشيرة ، القبيله ، العماره ، البطن ، الفخذ ، ثم الشعب حسب التعاريف العربية ؛ خاصة في القرآن الكريم ( صدق الله العظيم) " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..."
باختصار شديد ، لا تكمن المخاطر التي وصفتها الفقرة الناقدة في العشائرية الأردنية بالقول : "ترتهن الدولة وتصادر حداثتها وتعيدها إلى مراحل النشوء المبكر وتشل قدرتها على التواصل والرياده ." بل إن استبدال قيم وتقاليد وأعراف وحدة وتضامن وتعاون وانتظام العائلة والأسرة والعشيرة ؛ بالأحزاب السياسية دون مراعاة حقوق وواجبات ومسؤوليات الوحدات الطبيعية الأخرى ؛ هو الخطر الأكبر الذي يهدد لحمة المجتمع المدني ؛ ورابطة المجتمع السياسي ؛ وعناصر قوة وأمن الدولة وسلامها واستقرارها . أما تحديد الانتخاب بالأحزاب السياسية ، فهو عودة إلى عهود الأبوية القديمة قبل الميلاد ، والديكتاتورية الحديثة ، والحرمان من حقوق الإنسان. الحرية الديمقراطية السياسية وحدها هي التي تمكن المواطن من اختيار من ينتخبه لتمثيله، وتحقيق مصالحه المحلية والوطنية ، وتحسين مستوى معيشته ورفاهه ، وضمان أمنه وسلامه ؛ سواء من الأحزاب أو المستقلين ؛ سواء من المحليين أو الجهويين ؛ سواء من الأقرباء أو الأصدقاء أو القياديين وليس من الأحزاب وحدها.
أخيرا لا بد لنا من أن نتذكر بيقظة لا تغفو مثقال لحظة أن الغالبية العظمى من الشعب الأردني لا ينتمون إلى الأحزاب السياسية ؛ فهل يراد لنا أن ننتخب الأقلية ؟؟؟.