يحلو لكثير من الناس، ولاسيّما الذين لا إلمام لهم بأصول العمل الإداري، إطلاق صفة «صاحب قرار» على المسؤول الذي يتخذ قراره من غير تردّد أو إجراء لحسابات الضرر والفائدة أو الربح والخسارة ومن غير أن يلتفت إلى العواقب أو يتريّث في دراسة معزّزات قراره من نصوص تشريعية أو مسوّغات قانونية أو غير قانونية مناسبة، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك عندما يطلقون هذا الوصف على المسؤول الذي يعيّن من يشاء ويعزل من يشاء ويكافئ من يشاء ويحرم من يشاء من غير مراعاة للأنظمة والقوانين النافذة، أو الذي يتخذ قراره في الطريق أو في ممرّات المؤسسة التي يديرها أو يرأسها أو ربّما في أحد مجالس العزاء أو الجاهات أو الولائم بمجردّ أن يهمس أحدهم بكلمة في أذنه، فيهتزّ لها، ثم يتخذ قراره بموجبها، ولا يستشير أحداً فيه.
إنّ صفة «صاحب قرار» التي لا تستخدم في ثقافتنا ومجتمعنا إلا في سياق المديح والإطراء هي من أكثر الصفات إضراراً بالواقع الإداري في الدولة، ومن أكثر عوامل انتشار الفساد والمحسوبية وضياع الحقوق وإعطائها إلى غير مستحقيها وذلك لما يشوب مثل هذه القرارات من ارتجالية وعشوائية وتسرّع، وتشتمل في العادة على مغامرات غير مأمونة العواقب، لأنّ المسؤول يذهب وأثره الذي يضرّ بالمؤسسة التي أدارها وأدار لها ظهره يبقى ويخلد.
إنّ الحقيقة المهمة والأساسية في العمل الإداري هي أنه ليس من حقّ أي مسؤول أن يخالف ما نصت عليه القوانين والأنظمة تحت أي ذريعة، وأن من أكثر ما يعتقده كثير من أبناء مجتمعنا بعداً عن المنطق والواقعية أنّ بإمكان المسؤول رئيساً كان أو زيراً أو مديراً أو غيره أن يتخذ قرارات يتجاوز فيها ما نصّت عليه القوانين والأنظمة والتشريعات، فالأصل الصحيح أنّ المسؤول (مسؤولٌ) عن حماية هذه القوانين والأنظمة والتشريعات وصيانتها من أي تجاوز، ومسؤولٌ عن تنفيذها بدقة وأمانة، وملزمٌ بعدم مخالفتها أو حتى السماح لأحدٍ من أركان مؤسسته بمخالفتها، ولولا ذلك ما سمّي «مسؤولاً». والأصل الصحيح أيضاً أنّ صاحب القرار هو المسؤول الذي ينفّذ القوانين والأنظمة والتشريعات من غير تردّدٍ ولا خوفٍ ولا محاباة، والذي لا تأخذه في (الحقّ) لومة لائم.
salahjarrar@hotmail.co
الراي.