ربما الاضافة النوعية التي يمكن أن يقدّمها استطلاع اتجاهات الرأي العام الأردني (بعد مرور مائتي يوم على تشكيل حكومة د. عبدالله النسور الثانية)، والذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية وأُعلنت نتائجه أمس؛ أنه عدا عن حسّ الفكاهة المتصاعد لدى الأردنيين، فإنّ الشيء الوحيد الذي فشل الرئيس في "رفعه" فشلاً ذريعاً، هو شعبيته (وصلت إلى 48 %)، إذ تهاوت بصورة سافرة، ليحطّم الرقم القياسي الذي سجله قبله الرئيس الحالي للديوان الملكي، ورئيس الوزراء السابق، د. فايز الطراونة (49 %)، بوصف حكومته الأقل شعبية منذ بدء إجراء استطلاعات الرأي قبل قرابة عقدين!
بالضرورة، لا يمكن قراءة نتائج الاستطلاع بعيداً عن الأزمة المالية الخانقة التي اضطرت الحكومة للتعامل معها، عبر قرارات غير شعبوية، كان لها دور كبير في الوصول إلى مثل هذه النتيجة كانت متوقّعة، حتى لدى الرئيس نفسه! لكنّ حجم الخسوف الشعبي أكبر مما كان منتظراً.
ليس الرئيس فقط هو من حطّم الأرقام القياسية في تدنّي الشعبية، بل حتى الفريق الحكومي أيضاً حاز على "أسوأ نتيجة" بين الحكومات. إذ وصلت نسبة من يعتقدون أنه قادر على القيام بمهماته إلى 40 % فقط. وهو ما نجد صداه في تقييم الناس لنجاح الحكومة في التعامل مع مشكلات البطالة والفقر والبنية التحتية وتحسين الخدمات!
إذا تجاوزنا الحديث عن الرئيس والحكومة، فإنّ ما يستحق القراءة في الاستطلاع الحالي، وهو الأكثر خطورة وأهمية، يتمثل في أنّ نسبة كبيرة (64 %) من العينة الوطنية ترى أنّ الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ، بينما يرى 29 % فقط أنها تسير في الاتجاه الصحيح. وهذا رقم قياسي آخر يحطِّمه الرئيس، مقارنةً برؤساء الحكومات السابقين، ويعكس حالة المزاج الشعبي العام. وبالضرورة، فإنّ ذلك ينعكس في عدم شعور الناس بإمكانية تحسن الأوضاع الاقتصادية؛ إذ إنّ 50 % من العينة الوطنية يرون أنّ ظروفهم الاقتصادية ستكون أسوأ، بينما يتوقع 19 % فقط أنها ستكون أفضل مما هي عليه الآن.
دلالة هذا المزاج السلبي تكمن في أنّ الحكومة أسهبت في تفسير قراراتها الاقتصادية وتبريرها، لكنّها لم تقدّم رسالة موازية تُبقي باب الأمل مفتوحاً بانتعاش اقتصادي وتحسن الأحوال؛ بل على النقيض، أصبح المواطن ينتظر دوماً ارتفاعاً في أسعار السلع والخدمات، وهو الهمّ الذي هيمن على موقفه من الحكومة ورئيسها.
على الطرف الآخر، لم يكن وضع البرلمان أفضل حالاً، بالرغم من أنّه جاء بعد التعديلات الدستورية، وإقرار قانون انتخاب جديد. فما يزال البرلمان يعاني من أزمة عميقة على صعيد الثقة مع الرأي العام، كما في الاستطلاع، وليبدو معدّل شعبية الحكومة مقارنةً به "مشرّفاً". إذ لم تتجاوز علامات البرلمان، لدى العينة الوطنية، حاجز 31 %، في جميع مسؤولياته!
من المعطيات المهمة اللافتة، فيما يتعلق بشعبية الحكومات على صعيد الأقاليم، أنّ المعادلة قُلبت منذ استقالة حكومة د. عون خصاونة؛ إذ أصبحت النسب المتدنية دائماً في الشمال مقارنةً بالجنوب. وهو ما قد يؤشر على أنّ الشعور بالمظلومية والاحتقان يسيل من إقليم إلى آخر.
والشيء بالشيء يذكر، فإنّ أفضل الأرقام حازتها حكومة عون الخصاونة؛ وهي الحكومة التي نجحت بعد مائة يوم في رفع نسبة تأييدها، بعكس الحكومات الأخرى (مع استثناء استطلاع المائة يوم بشأن حكومة د. معروف البخيت الثانية)، وحظيت بمستوى ثابت من الشعبية، وفق الأرقام. فهل يفسّر ذلك الانفتاح السياسي الذي حاول الخصاونة القيام به حينها؟
(الغد)