جريمة واحدة لا تكفي .. !!
د. هاني البدري
31-10-2013 03:01 AM
التاريخ يُعيد نفسه مرتين، ولكن بصور مختلفة، في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة، وما يحدث في دور الرعاية الاجتماعية وبيوت ذوي الإعاقة ومراكز الأيتام وكبار السن هو مهزلة بكل المعايير..
مؤسسة الحسين للرعاية الاجتماعية في جبل الاشرفية اعادت تاريخها بيدها، وكأن ما حصل قبل اربعة عشر عاما هو ما يحصل اليوم، ولا دروس تؤخذ او عبر من الماضي تؤثر في اجيال متعاقبة من المديرين والاداريين والاخصائيين الاجتماعيين واصحاب القلوب التي كان من المفروض ان تكون لينة نقية وغضة تجاه شريحة من نوع خاص تدخل هنا،لها ما كُتب لها من الدنيا دون ذنب اقترفته،وعليها ان تبقى بذنوب غيرها تدفع ثمن ما لم تحصل عليه..!كلاكيت.. ثاني مرة !!
المشهد السينمائي الهزلي الذي يتحدث عن ضحايا ومصابين، وعن خطايا وجرائم واهمال وتقصير والتفاف وابطال شر في مواجهة ضعفاء لا حول لهم ..يعيد التاريخ ويشي بما لا يدعو لمليمتر واحد من الشك بأننا لا نتغير ولا نتعظ ولا نتعلم من الدروس والحكم المستقاة..عودة (فلاش باك)..قبل 14 سنة!الموقع، مركز للايتام (مجهولي النسب) وتفاصيل المشهد مطابخ تجتاحها اسراب الصراصير والحشرات وتقتحم ادوات الطبخ، وأسرة النوم المُدمَرة بعوامل الزمن والاهمال.. ومرة اخرى سادة وعبيد، اشرارٌ وضحايا، ومؤثراتٌ فيلمية خاصة تضيف للمشهد نكهة الرعب والبرد والعزلة والوهن في مواجهة التقصير المتعمد، والعيون التي لا تكسرها دموع طفل او حتى موته..!!
في المشهد الاول مات ثلاثة اطفال اهمالاً وتقصيراً ..وفي الثاني نقل العشرات الى العناية المركزة في المستشفيات بسبب الاهمال وغياب الرقابة وتفشي القذارة وغياب التعقيم.. وثمة مشاهد مشتركة بين الفيلمين جمعتهما أسرةُ النوم ومطابخ الاكل الادمي (كما يفترض)، والاغبرة المتراكمة، منذ ان ازيلت مرة واحدة قبل اربعة عشر عاماً بعد ان اُكتشفت جريمةُ الاهمال في الفيلم الاول..
غبار اربعة عشر عاماً في المركز ذاته وبالغرف والقاعات نفسها، تكاثر ونما وملأ فضاءات المكان حتى اخفقت قلوب الصغار على تحمله.. أو تَنفُسه مع بعض الأكسجين كما تعودت مُنذ أن دخلت الى هنا قطعة لحم لا تعرف جزارها..
المشكلة أن في الفيلمين الدراميين وعلى مدار جزأي الحكاية، لم تتغير ردة الفعل الحكومية التي تعودت ازاحة الغبار عن مواقع الخلل واخفاءه تحت اقرب بساط.. فقط عندما "تقع الفاس بالراس"..
رفض الوزير في جزأي الفيلم ما يحدث، لم تعط هذه النوعية من الاطفال الاهتمام اللازم، ثم تمت محاولة اقصاء الاعلام وابعاد عيونه ما أمكن.. ثم تم الاعتراف ولكن بتخفيف حدة المسميات فقُدمت الخطيئة على أساس تقصير غير متعمد، والجريمة "مبالغة اعلامية لا طائل منها".. والاهمال خطأ غير مقصود والفيلم برمته "هجوم مُدبر على الحكومة وانجازاتها"..
الاختلاف اليتيم بين الفيلم في جزأيه الاول والثاني.. هي النهاية، حين غادرت الحكومة في الاول بعد الاخفاق في التعامل مع قضية انسانية بهذا المستوى، وغادرت الحكومة في الثاني الى العقبة لمناقشة قضايا مختلفة لا تقل اهمية، لكنها ستعود الى عمان حتماً لتزيح غبار الازمة تحت أقرب بساط في الرئاسة علّ الناس نست، واستكملنا مسيرة الانجازات!!
سواء كانت تقصيرا أو إهمالا او خطأ، فإن ما شهدته هذه الجمعية المسكينة مرة اخرى تكتسب درجة الجريمة كونها بحقّ أطفال يقوم العالم المتحضر لقضاياهم ولا يقعد..!
(الغد)