حرام هذا الدم الذي يسيل في شوارعنا ..
مالك نصراوين
27-01-2008 02:00 AM
المجزرة المرورية التي وقعت على طريق جرش ، ليست اول المطاف وليست نهايته ، فمسلسل القتل على الطرقات اصبح حالة ادمان تعيشه فئة كبيرة من مواطنينا ، الجميع يعلم مآسيها ويدرك انها يجب ان تتوقف ، والجميع يحس بالعجز عن وقفها او وقف المشاركة فيها ، انها حالة ادمان شلت ارادتنا وهزمتها ، لم نعد كمواطنين قادرين على وقفها ، اصبحنا بحاجة الى علاج يفرض علينا ، وينتشلنا من هذا البؤس الذي نعيشه باستمرار ، ونحن نتفرج ونتحسر امام تصاعده ، ونساهم في اضطراد اشتعال ناره . مئات الضحايا والوف الجرحى كل عام ، حزن واسى ويأس ، نعيشه في دائرة ضيقة من الزمن ، بعد كل حادث مأساوي ، ثم نجتاز دائرة الحزن تلك ، ونعود الى المربع الاول ، وهكذا دواليك .
هل نلوم وعيا نفتقده ؟ لا اعتقد ذلك ، فالصغير قبل الكبير يدرك خطورة تلك الآلة ان اسي استعمالها ، ويدرك حجم المأساة التي تخلفها لنا مثل تلك الحوادث ، او بالاصح المجازر ، سواء كانت مجازر مرورية جماعية ، كما في حالة الباص على طريق جرش ، او مجازر مرورية فردية ، تصبح جماعية بفعل التراكم ، انني ابريء الوعي من المسؤولية ، براءة الذئب من دم يعقوب .
هل ننشيء جيشا عرمرما من شرطة السير ، يحتل كل طرقاتنا ، ويراقب كل آلية تسير عليها ، ان كان ذلك ممكنا ، وهو غير ممكن ، فهو احد الحلول .
هل الاقمار الصناعية هي الحل ؟ تراقب وتصور وتسجل ، ثم تاتي العقوبة كي تردع ، نأمل ذلك في اقرب الايام .
هل نلوم الطريق ، باعتبارها من ادوات الجريمة ، والشاهد الصامت عليها ، فنلغي دور الانسان وعقله وضميره ، ام نلوم السيارة وصلاحيتها ، والتي لا يحتاج الانسان الا القليل من المعرفة والخبرة ، كي يدرك حالتها ومقدرتها ، ونحن نعلم ان الاحصائيات دلت على ان 99.4% من الحوادث هي بفعل الانسان .
هل نلوم حرصنا على الوقت ، وادراكنا لاهميته ، مما يضطرنا ان نحول الطرق الى حلبات سباق ، الكل يعلم ان ذلك ليس صحيحا ، ونحن من اكثر شعوب الارض هدرا للوقت وساعات العمل .
هل نلوم الواسطة والمحسوبية في الحصول على رخص القيادة ؟ اعتقد اننا بحاجة لالغاء هذه الممارسة ، لكن ماذا نقول ، وكثير من الحوادث القاتلة يرتكبها اشخاص لهم خبرة طويلة بالقيادة ؟
هل نلوم فنجان القهوة العربية ، الذي لم يتأثر بتقلب اسعار العملات ، فبقي على الدوام ، يعادل روح انسان اردني ، فنلغي القهوة السادة من تراثنا الثقافي ، ونحطم كل الدلال والفناجين ؟
هل نلوم روح التسامح ، الخارجة عن المنطق ، والتي يدفعنا الولع بها ، وحرصنا على ان يشار لها ، كاحد ابرز خصالنا الحاتمية ، نفديها بارواح الابرياء ، ونتجاهل من اجلها معاناة الاحياء ؟
هل نلوم عقدة البطولة التي تتملكنا ، والبطولة الفردية بالذات ، التي تمجدها ثقافتنا العربية ، فاصبحت الرعونة في قيادة السيارة ، شجاعة وبطولة في مواجهة الخطر ، ووسيلة للفت الانتباه والمجد المزيف ، خاصة عندما تتلاشى الخطوط الفاصلة بين الخوف الواعي والجبن ؟
قد يكون بعض ما ذكر سابقا ، جزءا من الحلول ، وقد يكون هناك الكثير من الحلول والاجراءات الوقائية ، التي لا ادركها ، ويدركها اهل المعرفة بهذا الشأن ، لكن الحل الانجع الذي نحتاجه عاجلا ، والذي اصبح مطلبا شعبيا ، هو الردع القانوني للمتسببين بهذا القتل المستمر ، فلا بد من تعديل على قانون السير ، يغلظ العقوبات على مرتكبي المخالفات التي قد تسبب الموت ، وليس تصيد السيارات في شوارع واسعة كالمطارات ، حددت فيها سرعة بطيئة الى حد غير معقول ، هدفها الجباية فقط ، يجب التركيز على حياة الانسان ، اغلى ما نملك ، ومن يكرر المخالفة ولا يرتدع ، فلا اقل من حرمانه من سلاح القتل ، يجب تغليظ العقوبات على من يتسبب بالموت نتيجة تهوره وطيشه ، كي يتحمل مسؤولية ما اقترفت يداه ، ويكون عبرة لغيره ، يلزم تعزيز ثقافة احترام الانسان وحقه في الحياة ، وحق اسرته وذويه في حياة خالية من الحزن والعوز .
ان كل انسان حر في ان يختار طريقة وزمان ومكان موته ، لكن ليس من حقه ابدا يختار ذلك للآخرين .
m_nasrawin@yahoo.com