الأردن: اقتصاد منهك من العلاج و طريق وعر أمام الحكومات القادمة
30-10-2013 02:37 PM
عمون- كتب المحلل الاقتصادي عبد المنعم عاكف الزعبي:
يبادر البعض الى الاستنتاج بأن الحكومة القادمة ستتسلم مقاليد الولاية العامة على طبق من فضة بعدما أنجزت حكومة الدكتور عبد الله نسور معظم الاجندات الاقتصادية المعقدة، و في مقدمتها رفع الدعم و فرض الضرائب الاضافية على الدخل و السلع و الخدمات.
مع تقدير الاراء التي بني عليها الاستنتاج السابق، تجدر الاشارة الى الرأي المقابل و الذي يرى ان التحسن على ارقام الموازنة ليس إلا الجزء الأيسر من المعادلة، و بأن ما سيستحق خلال السنوات القادمة على المستوى الاقتصادي و السياسي اعقد مما تم انجازه حتى اللحظة بمراحل.
ذلك ان نجاح حكومة النسور بالمقياس الرقمي او "الديجيتال باروميتر" قد سبب اثارا جانبية يمكن ان تفوق حتى ما تم تحقيقه على مستوى المالية العامة للدولة.
كما ان ذات النجاح لم يكن ليشمل عديدا من المشكلات الهيكلية المزمنة، و التي قامت بتغذيتها مجموعة من الاعباء فوق الاعتيادية في العامين الماضيين.
التيقن مما سبق ممكن عبر النظر الى ارقام عجز الموازنة و التي لا زالت قبل المساعدات تفوق مستواها في 2012، و عبر النظر ايضا الى التوسع في عجز الميزان التجاري رغم انخفاض فاتورة المملكة النفطية بأكثر من مليار دولار خلال الاشهر الثمانية الاولى من العام.
من منظور اقتصادي، يدل توسع عجز الموازنة و عجز الميزان التجاري على ان تبعات اللجوء السوري قد التهمت معظم الانجاز الحكومي في تصحيح تشوهات المالية العامة، و بأن انقطاع المساعدات الاجنبية أو عوامل خارجية مثل انقطاع الغاز او ارتفاع اسعار النفط او موجة لجوء ضخمة من الاراضي السورية يمكن لها اعادة اقتصادنا الى وضعه المأزوم في حفنة من الأشهر.
كذلك يبقى أمام الحكومة القادمة و من ستخلفها ملفات و مشاريع حساسة ربما تكون أكثر تعقيدا و صعوبة من الملفات التي انجزت في 2012 و 2013.
من هذه الملفات مثلا تخفيض البطالة، و تحفيز النمو، و تعديلات قانون ضريبة الدخل، و ايضا تنويع مصادر الطاقة، و كذلك تنمية المحافظات الفقيرة و تحقيق مزيد من عدالة التوزيع، و يمكن ان يضاف ايضا انعاش قطاع التعدين، و كذلك تحفيز الشركات الصغيرة و المتوسطة و حفز الاستثمارات و الحفاظ عليها من الاندثار.
أما الفارق الاهم بين وجبة الاصلاحات القادمة و تلك التي انجزتها الحكومة الحالية ان الاخيرة يمكن انجازها بمجرد إصدار قرار من مجلس الوزراء، لتأخذ مفعولها مباشرة بعد اتخاذ القرار.
بالمقابل، يحتاج حل المشكلات القادمة الى خطط زمنية محكمة و تنفيذ يلتزم بالخطة و يتجاوز بمجمله عوائق البيروقراطية الحكومية و ما اعتاد عليه اقتصادنا من نعطل في جزء مهم من برامجه التنموية، حيث تتنوع الامثلة هنا عن الخطط و الاستراتيجيات الحكومية التي انتهى مصيرها الى أدراج مكاتب المسؤولين دونما انجاز يذكر.
تلخيصا لواقع الحال، و بالاستشهاد بتشبيه رئيس الوزراء لوضع الاقتصاد الاردني بالمريض المحمل على نقالة العلاج، يصح الطرح بأن المريض قد انهك، و بأن ذات المريض لا يزال في مراحل العلاج ضمن بيئة مليئة بمحفزات المرض مرة اخرى.
كما ان المخدر المستخدم للعلاج يصعب ازالة اثره دون ان يستفيق المريض على واقع صعب قد يلزم معه العلاج الطبيعي لتجاوز الازمة.
فلا من خلاف بأن تمرير الاجندات الاقتصادية ترافق مع اتساع في هامش الحريات العامة من جهة، و ارتفاع في معدل الفوضى من جهة أخرى، و ذلك في ظل التعامل مع معطيات اقتصادية و سياسية معقدة سادت المرحلة السابقة.
و الحكومة القادمة امام الدفاع عن الحريات العامة مقابل البدء بتكريس هيبة الدولة و القانون مرة اخرى، و كلا المهمتين محفوف بالمخاطر في ظل غياب مزيد من الاصلاحات السياسية الملموسة، و التي ما لبثت قوى الشد العكسي مقاومتها بل و محاولة الانقلاب على ما تحقق منها مع تبدل مزاج الشارع و احتدام الازمات في الدول المجاورة.
الزبدة المستخلصة من القراءة السابقة نصيحة بأن لا يكون التعجل في تغيير وجهة الدفة السياسية و الاقتصادية قبل التوقيت المناسب.
فلا يقودنا زهو الانجاز الى تراخ يعيدنا الى المربع الاول....