هل لدى أية جهة رسمية أو أهلية في الأردن، رقمٌ دقيقٌ عن عدد المغتربين الأردنيين الموزعين في شتى بقاع الأرض، وجهاتها الأربع؟ أشك. فبيننا وبين الأرقام عداء مستحكم، رغم ان الرقم عنصر أساسي في التخطيط وفي صناعة القرار ومع ذلك ما زلنا نختلف حول معدلات النمو في بلدنا ومعدلات البطالة فيه، بل وحول عدد الأردنيين بشكل دقيق. ومن ثم فإن من الطبيعي ان لا نعرف عدد الأردنيين في المغتربات. وهو جهل ناتج عن عدم الاهتمام بأمرهم رغم ان لدينا وزارة أضيف لإسمها عبارة المغتربين .
ان من أول أولويات عمل وزارة الخارجية رعاية المغتربين، والاهتمام بشؤونهم في بلاد الغربة التي صار الأردني لا يشعر انه غريب فيها إلا إذا اضطر لمراجعة سفارته، حيث فظاظة المعاملة وفوقيتها وقسوتها، ان لم يسبق ذلك كله التجاهل من طواقم سفاراتنا التي صارت بالنسبة للأردني مجرد مكتب جباية، إذا لجأ إليها لأنهاء بعض معاملاته الرسمية.
وكثيرة هي القصص التي يرويها المغتربون الأردنيون عن سوء تعامل بعثاتنا الدبلوماسية معهم، إلا في حالة نادرة يكون فيها السفير أو أحد أفراد البعثة صاحب مبادرة في حسن التعامل مع المغتربين الأردنيين، مع أن الأصل ان يكون حسن التعامل، والاحتضان والرعاية سياسة ثابتة، ومهمة أصيلة من مهام سفاراتنا في الخارج، أسوة بكل سفارات الدول الأخرى، خاصة وإننا نلمس كيف تقيم سفارات بعض الدول الدنيا ولا تقعدها إن تعرض ما تعتقده حقًا من حقوق رعاياها للمساس، حتى ولو تعلق الأمر بخادمة منزل، أو عامل حديقة، حيث تنحاز دوائرنا الرسمية للوافد على حساب المواطن، على عكس كل ما يجري في بلاد الدنيا، وهكذا تضيع حقوق الأردنيين في الداخل والخارج بسبب عدم اكتراث أجهزة الدولة الأردنية بقيمة وكرامة الأردني رغم شعار «الإنسان أغلى ما نملك».
نعود لحديث المغتربين الأردنيين، وهو حديث ذو شجون مثير للاشجان، فنسأل هل هناك قنوات منتظمة دائمة للتواصل مع المغتربين الأردنيين؟ والجواب بالتأكيد «لا» كبيرة. حتى المحاولة اليتيمة الوحيدة المتمثلة في تنظيم مؤتمر سنوي للمغتربين الأردنيين تم إجهاضها بالمهد. وكأن قدر الأردنيين في الغربة أن «يكونوا أضيع من الكرام على مأدبة اللئام». بعد ان ضاق عليهم الوطن فخرجوا للبحث عن لقمة عيشهم خارجه، لتتخلى عنهم حكومتهم ممثلة بسفاراتها وهو تخلٍ نظن انه قد آن أوان نهايته، وصار لزاماً على حكومتنا ان تؤدي واجبها نحو المغتربين الأردنيين من خلال سلسلة من الإجراءات لا بد منها؛ في طليعتها:
• إلزام البعثات الدبلوماسية الأردنية، بلقاء دوري منتظم للمغتربين الأردنيين بحيث تلتقي كل بعثة المغتربين الأردنيين في نطاق منطقتها للتعرف على مشكلاتهم وحلّها من جهة. ولإشعار حكومات الدول الأخرى أن الأردني محمي، وأنه محلّ رعاية واهتمام حكومته من جهة ثانية، ولتوثيق العلاقة بين السفارة ورعاياها، وبين المغتربين الأردنيين من جهة ثالثة.
• تأسيس نوادٍ أو روابط، أو جمعيات للمغتربين الأردنيين في مناطق وجودهم وحسب كثافته، وإلزام هذه النوادي أو الروابط أو الجمعيات بإقامة أنشطة ثقافية واجتماعية بصورة منتظمة. مع العلم بأن بعض سفاراتنا تقف حائلاً في بعض الأحيان دون تأسيس أُطرٍ جامعةٍ للأردنيين في المغتربات.
• أن تنظم كل بعثة أردنية جدولاً بأسماء وعناوين المغتربين الأردنيين واختصاصاتهم في مناطق عملها لإدامة التواصل معهم.
• دعوة المغتربين الأردنيين ما أمكن للاحتفالات الرسمية التي تقيمها السفارة، وخاصة عيد الاستقلال.
• أن تحيي الحكومة الأردنية فكرة المؤتمر السنوي للمغتربين الأردنيين وان يتحول إلى عمل مؤسسي دوري.
• ضرورة تكثيف التواصل الإعلامي الأردني مع المغتربين في الخارج.
• أن تتولى كل نقابة مهنية وعمالية من النقابات الأردنية متابعة شؤون أعضائها في المغتربات بصورة منتظمة وحثيثة.
إن من حق المغتربين الأردنيين بكل فئاتهم ان يكونوا محل عناية واهتمام من حكومتهم المركزية، ومن بعثاتها الدبلوماسية خاصة وأن منهم رجال أعمال ناجحين، وفيهم مبدعون ومخترعون يتوقون إلى تقديم نتاج عقولهم لبلدهم الذي صار طاردًا للكفاءات؛ فهل يعود جاذبًا لها ليعود أبناؤه إلى حضنه الدافئ؟.
(الرأي)