أذكر أن آخر مرة احتفلت فيها بمناسبة خاصة دون خجل من المناسبات العامة المؤلمة قبل عشرات السنين – حسب توقيتي الروحي – عندما أقمت حفل نجاحي بالثانوية العامة و ذلك لأن الجميع ممن حولي نصحوا " حلوتها بحموتها " وبعدها كانت كل الحفلات الخاصة التي شاركت فيها على استحياء من هذه المناسبات العامة تلك التي أخذت من هذا المثل العامي واقعا مسجونا في الشاشة و لم نفطن إلى اليوم الذي ربما سيخرج فيه هذا الواقع إلينا... . فنصحو فيه بثلاثة أطراف بدلا من أربعة ، أو ربما يكتب في أوراقنا الرسمية كلمة أرملة بدلا من زوجة ، و ينادون أم علي بأم الشهيد ، و يذكر اسم وعد ضمن دراسة أجريت مؤخرا عن العوانس اللواتي مازلن ينتظرن الخطيب المسجون، و يضيع على هاشم سنواته الأولى في دراسة الطب . وإذا استشهد ستين شابا لا بد أن تؤجل الجارة حفل وداع ابنتها العروس التي سترحل مع عريسها إلى " هناك " للأسبوع القادم احتراما لوجع الأمهات الستين ، ظنا منها أن الحال سيتحسن ، و أن الأخبار لا تتكرر ، و أن المدعوات سيحترمن هذا الاحترام . و لكن العروس تسافر إلى "هناك " دون أي حفل .
إلا أن الحفل ال79 الذي دعي إليه- كما يحلو للكثير إطلاق لقب قيصر الأغنية العربية عليه - كاظم الساهر لتوزيع جوائز الأوسكار عام 2007 حاملا بين أنامله الهم الذي لا نستطيع غض الإبداع عنه أغنية وطنية عن العراق في فيلم " موطني موطني " تدعى إليه ممثلة لا يتجاوز عمرها عشر سنوات ، و إذا كان للطفل نصيب من هذا التكريم العالمي فهناك أيضا جوائز تحصدها أفلام الرسوم المتحركة .
كما ندرك أن الافلام التي نشاهدها وثائقية كانت أو سينيمائية تعمل فيها طواقم أخرى غير الممثلين و المصورين و المخرجين و المنتجين إذ يوجد في هوليوود فرقة خاصة للمؤثرات الصوتية قدمت ليلتها مشهدا مليئا بالمؤثرات الصوتية التي يؤدونها بأنفسهم لنسمع في أفلامهم طلقات نار متسارعة ،و صوت باب يفتح بقوة ، أو حادث اصطدام مخيف،أو تساقط مطر غزير . و نحن هنا ما زلنا نقلد فنونهم بإمكاناتنا وثقافتنا المختلفة ولم نصدق بعد أن التقليد صعب، و أن التكلفة المادية العائدة من وراء رسائل التصويت sms لبرامج مسابقات الغناء السرطانية أجدر أن تكون لأخواتنا و إخواننا و أبنائنا المحتلين "هنا"- و إن كانت دعما للفن .
و بين فن يقدم الواقع بنجاح مكرّم و واقع نادرا ما يفشل في قتل الفن أقول :عذرا علي ، عذرا أدهم ، عذرا عبد الرحمن ، عذرا إيمان أنا لا أعرفكم و لا تعرفونني إنما أعرف أنكم في الليلة التي تابعنا فيها حفل توزيع جوائز الأوسكار كنتم تتمنون الحصول على كوب آخر من الحليب بدل الذي سقط من أيديكم خوفا من صوت الطائرات ، و على غطاء نوم جاف بدل الذي بلله مطر البارحة ،و على قلم آخر بدل الذي كسر خلال ملاحقة غير متكافئة من أحد أفراد جيش الاحتلال ، و على دور آخر تدخلون فيه دورة المياه بسبب الإسهال المتكرر نتيجة الطعام الفاسد ، و على خيمة أخرى بدل البيت الذي هدم ضمن عمليات التفجير و الهدم اليومية ، و على مقال آخر نكتب فيه عن معاناتكم أو نشير إليها بعد أن نشاهد مبهورين إنجاز بشري آخر" هناك " .
smellcofe@hotmail.com
الكاتبة محررة في دائرة العلاقات العامة
جامعة اليرموك الاردنية