الخبر الذي تناقلته وسائل الاعلام عن رفض ايران استقبال خالد مشعل رئيس مكتب حماس في الخارج ليس الحادثة الاولى لاغلاق ابواب عواصم في المنطقة امام قيادة حماس , وهو ثمن تدفعه حماس لانحيازاتها ورهاناتها وتعاملها كجزء من تنظيم الاخوان الذي دخل حلفا مع قطر وتركيا ترعاه الادارة الامريكية ضمن سياق ادارة مرحلة ما يسمى الربيع العربي , لكن هذا الحلف اخرج من اجندته فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني لان محاور الربيع لم يكن مسموحا لها بالمساس بالمصالح الصهيونية .
قبل ان يحدث التغيير الاخير في مصر كانت حماس صاحبة نفوذ في ادارة الشان المصري , وكان المحور الذي تتبعه صاحب كلمة في شؤن المنطقة , وكان ايضا يعمل بجد كبير لاسقاط نظام بشار الاسد , ولو استقرت الامور للاخوان في مصر واستمرت ادارة اوباما في مخطط الضربة العسكرية لسوريا التي منحها شيخ الحلف يوسف القرضاوي فتوى دينية بل وحرض امريكا عليها , لو تحقق هذا لتوسع نفوذ هذا الحلف لكن الامور سارت بالاتجاه المعاكس فغادر الاخوان المسلمون الحكم وجاءت فترة حكم ترى في حماس عدوا للامن القومي المصري , ودخلت دمشق في صفقة مع القوى الكبرى مقابل تدمير السلاح الكيماوي , وفتحت ايران ابوابا للتفاهم مع واشنطن , اي غاب الحلفاء وتقدم المعسكر الاخر بما فيهم قطر التي تراجع دورها بعد التغيير الداخلي وحتى في الملف السوري فقد تقدم الدور السعودي كما تقدم في الملف المصري .
هذه الخسائر السياسية لحماس لايمكن اعتبارها خسائر للقضية الفلسطينية التي تنزف خسائر لان حماس تتعامل باعتبارها فصيل بادوار اقليمية دون اي اشتباك مع كيان الاحتلال وابقاء جبهة الحدود مع الاحتلال مريحة عسكريا , لكنها خسائر للحالة الاخوانية وصدمة لقيادة حماس في الخارج التي كانت تتحرك بين العواصم , واليوم ليس هناك الا الدوحة التي لم تستقر سفينة تحالفاتها مع بداية عهد الامير الشاب.
قبل الربيع كانت حماس تقدم نفسها جزءا من معسكر الممانعة او المقاومة مع سوريا وايران وحزب الله , وكان هذا جزء من تقاربها مع الناس لكنها لم تستطع الصمود في هذا الحلف وغادرته سريعا تحت شهوة المكاسب التي حملها الربيع للحركة الاسلامية , فخسرت ايران وسوريا وحزب الله وكل القوى المنحازة لهم , وجعلت سؤال المصداقية والمبادىء مطروحا , وكانت مغادرة معسكر الممانعة الى معسكر يرتبط بعلاقات استراتيجية مع اسرائيل مثل تركيا وايضا قطر فضلا عن نظام حكم مرسي الذي قضى عاما لم يصطدم فيه مع اي مصلحة اسرائيلية ولا السفارة ولا التطبيع بل مارس التزاما رفيعا بكامب ديفيد .
حماس اليوم لاتجد من يرى فيها مصلحة ولامن يرى فيها حركة مقاومة وجزء من معسكرها , وهناك من يراها جزء من معسكر الخاسرين , فمعسكر الانحياز للحكم المصري الحالي لايمكنه فتح باب لحماس بينما مصر ترى فيها عدوا لامنها القومي , ومعسكر الممانعة السابق يرى في حماس حالة خذلان وقفز الى المعسكر الامريكي , وان فتح اي باب لها يجب ان يكون له ثمن باهض , وبخاصة ان فصائل فلسطينية اخرى وقفت الى جانب النظام السوري دون تردد .
محاولة زيارة ايران ليست المحاولة الاولى التي حاولتها قيادة حماس في الخارج مع عواصم كانت قريبة منها , لكن الاعتذار او التجاهل او طلب التاجيل كانت حاضرة , فحماس اليوم عليها ان تقف مع نفسها طويلا وان تعيد انتاج تحالفاتها وربما بعض رموزها , فكما كان للربيع اثاره على انظمة وحركات وتحالفات فان له اثار على حماس التي عليها اليوم ان لاتواجه فقط الابواب المغلقة بل ايضا عداءا من جارها الاستراتيجي مصر , وبخاصة مع اعتقاد لدى جهات عديدة ان حماس تخوض ايضا معركة الاخوان المصريين .
ربما على حماس ان تبحث عن كل الطرق للعودة الى بوابة القاهرة فمنها عودة لابواب اخرى , فضلا عن بوابة دمشق التي ربما تكون هامة جدا في المرحلة القادمة