في طفولتي ...أتذكر أن وزارة المياه حفرت في الشارع المحاذي لمنزلنا (حفرة) لأجل تركيب ماسورة جديدة، ولكنها لم تردم الحفرة وبفعل تسرب الماء وهبوط مستوى الرمل أصبحت غير مرئية للسائقين .
كانت أشبه بمصيدة, وأنا كنت أجلس وحدي بجانبها وأراقب السيارات وهي تنزلق فيها، وتحدث ارتجاجاً هائلاً يؤثر على ثبات السائق، ومما لاحظته - وبحكم أن مرحلة الثمانينات كانت مرحلة يرتدي الجميع فيها الشماغ والعقال صيفا شتاء- لاحظت أن العقال غالبا ما يسقط عن رأس السائق لحظة حدوث الارتجاج .
أخبرت رفاق السوء بهذا الإكتشاف، وصرنا نجلس كل يوم بعد صلاة العصر نراقب السيارات القادمة وثمة رهان بيننا على كل سائق قادم وهو:- هل سينزل العقال أم لا ؟
الرهانات كانت بالدور، ولأن حالات نزول العقال اصبحت كثيرة، صار علينا أن نحدد الجهة التي سيقع فيها العقال هل هي باتجاه اليمين أم الشمال, وذات مرة راهنت على وقوع عقال أحدهم على الشارع بحكم أنه كان (متمركي) على الباب وفعلا نجح الرهان .
مع الزمن كثرت جماهير الحفرة، وتنوعت لدرجة أن طلاب الصف السادس التحقوا بنا وانا بحكم كوني مكتشف اللعبة صرت أحدد أنواع الرهانات وعددها, وصرت أدون في ذهني ملاحظات عن السائقين .
الغريب أن معظم من سقطت (العقل) عن رؤوسهم، لم يحفظوا مكان الحفرة وظلوا يعبرون منها لدرجة أن أحدهم خلال ساعة واحدة سقط عقاله مرتين .
صارت قصة العقال ,لدينا قصة ممتعة ولعبة تجمعنا أكثر من كرة القدم وأكثر من (الشعبطة) على أسوار الجيران .
وذات يوم نظر إلي رفاق السوء بتعجب، وكان دوري في الرهان ..لم أعرف السبب ولكني حين لمحت السيارة القادمة أدركت خطورة الموقف، كان أبي قادما في سيارته السوداء نوع ( رينو) ..وأنا لمحته بشماغه الأحمر وسيجارته التي لا تغادر فمه وبالنظارات السميكة ..وابي كان له طقم أسنان أيضا في الفك الأعلى والأسفل ..وخفت عليه، كون ارتطامه بالحفرة ربما سيسقط اشياء كثيرة .
وقفت في منتصف الشارع وكان لهفتي وخوفي عليه أعمق من الحفرة وأطول من الشارع نفسه، وحين توقف أخبرته بالأمر ...فكان منه وكالمعتاد أن أعطاني (شلنا) وقال لي :- ( يالله ع الدار روح اقعد ع كتبك يا بوي النشمي يالله) ...وقام بالالتفاف من جانب الحفره . خوفي مثل خوفي على أبي ...صدقوني أني حين أكتب عن سوريا، أكتب من قبيل حرصي وخوفي على الجميع ...أدرك أنها أزمة وتشبه (الحفرة)، وأريد أن يبقى أبي معتمرا عقاله ..شامخا واقفا مثل جبال الاردن.
هذا كل ما أريده ..فقط .
(الرأي)