ما زلت احفظ قول الأستاذ الدكتور صلاح الجرار عبر إحدى مقالته التي نشرها في صحيفة الرأي "أن المبدع دوما لا يُضع في الهامش وحسب بل تشن عليه الحروب الطاحنة لأنه مبدع ".أنا أعتبر الإبداع ليس التميز الكتابي أو احترافه؛ إنما كتابة نصاً جديداً، يحمل تميزاً لم يطرق من قبل.
هذا عن الإبداع عامة الذي قد يأتي بعد عمرٍ طويل، يحمل خصوبة في البحث والدراسة أو التأليف والتطوير الذاتي، فكيف عندما يداهمنا مبدعٌ في سن مبكرة كما تشهد الساحة الأردنية التي قرأنا فيها لأسماء شبابية كثيرة لها وقفة خاصة لنتعرف على تلك الألغام التي وضعوها لهم "فاشيوا التطور" والتجديد حتى تم إبعادهم .
أكثر من لفت انتباهي تلك النصوص التي تكتبها هند خليفات في ملحق شباب الرأي فالصورة المغبرة "جرافيكيا" ًتُظهر فتاة تحتاج لثلاثة سنوات كي تصل للثلاثين من العمر تظهر على يمين عنوان دائم يحمل غصة عمر مبكرة بجانبها درع إحساسي يحمل رسمة لنفس الكاتبة كي تتناغم الكلمة مع الألوان .
نصوص هند خليفات تنتمي إلى تربة الوطن، إلى ماضيه الذي ظل نقيا محفوظا كماء النبع ولم يُعكر برواسب الحداثة التي سلبت الناس هويتهم وصاروا يتراكضون نحو الغرب وبدعه الرقمية متناسين الانتماء للجذور
الصفحة تلك قدمت رنا شاور بمواضيعها الشيقة التنويرية والدكتور عدنان الطوباسي صاحب المقالات المتميزة دوما يعطي درساً أن من يكتب للشباب هو من يعالج مشاكلهم لا من يعيش ضمن فئة عمرهم.
و ثالثهما المبدعة هند خليفات التي تكتب نصوصا أدبية تشبه الحفر في الذاكرة دون تخصيص للمكان أو الزمان أو طبيعة إنسان .
ولم تتكئ على الماضي البعيد أو تصب لعنتها على الحاضر أنه مزج لطيف بين الماضي بجميله واليوم بتطوره وأحلام الطفولة.
تلك النصوص التي انطلقت من أشياء بسيطة لكنها صادفت مواقفا عظيمة، لها وقع في الذاكرة لن تمحى؛ كلحظة دخول مطعم يمتلئ بالناس والوجبات الشهية وقت أذان المغرب من شهر رمضان ولكنه يخلوا من جلسة العائلة وقد تلجأ على الدفاع عن الجميد الذي نسيت طعمه شفاه "الهامبرجر " وتسجل ذكريات عتبة الباب متأملة فتاة تحمل صراخ الشمعة الصامت الذي سوف تسحقه رياح "العداوة غير المبررة" وتقف على أبواب الصحراء ناظرة على تراثنا يذهب مع الشيح، ومع كل هذا الانتماء الذي قدمته نصوصها ذات السرد الحكائي الملتزمة بتقديم لغة عميقة وطريفة لا تخلو من سخرية الفتاة الجنوبية على هذ الانقلاب الذي ارتكبناه بحق ذاتنا ، قرأنا قبل عدة أسابيع أنها ترفض العودة لطاولة المطبخ والاكتفاء بمعالجة أوراق الدوالي مبتعدة عن المعالجة الضوئية التي تخصصت بها أي أنها استقالت من العمل بسبب ضغوط البعض ولجأت إلى المطبخ الذي يرفض استراحة محاربة القلم .
هذا ما كافأنا به المبدعة الشابة التي غرست وتد قلمها في تراب الجنوب فقاموا بتكريمها عبر حفلة تعليق على مقالها حتى اضطرت للجلوس تحت مقصلة الاستقالة التي تفصل المبدع عن عمله فقد واجهت لوما مكررا على مقالها بأنه يقلل من تركيزها ولم يعلم ألائم أن "أم سيف " كفارسة قلم لن تُسلم سيفها الذي تحارب فيه في عالم الإبداع الكتابي محصنة بريشة الرسم أو رمح التعبير عن بوح الألوان المتفتقة من قوس قزح أحلامنا.
في يوم افتتاح معرضها " بعض الحكاية " الذي قدمت فيه آخر رسوماتها كانت قد تركت وراءها " طنجرة رشوف " كم علمت منها عندما أخبرتها هاتفيا أني لن أتمكن من حضور حفل الافتتاح فيا ترى هل حوربت هند من الوسط الذي كان من الأولى أن يحتضنها لا أن يعاديها لانتمائها لسيف القلم ورمح الريشة أم لبقائها بعلاقة وطيدة مع تاريخ يكتبه الجميد وتسجله طنجرة "الرشوف"؟؟؟؟
هذا من بعض حكايا شبابنا الضائعين بسبب أنهم مبدعون ....وإن طال العمر سوف أعرض حالات عدة لنعرف عبر عمون لمذا تسحق المواهب في بلدنا لأسباب أولها خوف الرابضين الخائفين من منافسة مبدع جديد وللحكاية عودة.
Omar_shaheen78@yahoo.com