العبث اليومي .. *ناهض الوشاح
26-10-2013 12:16 PM
الحزن العاري والأرصفة المبلّلة ... جباه تسقط في الدروب الضيّقة فبل بداية النهار . وحيث الهدوء يُلملم عباءته ... يستيقظون على بقايا حلم عالق في الأجفان كأطفال مفعمين برغبة الأكتشاف يبدأون رحلة السعي على أرزاقهم .
قبل شروق الشمس يخرجون وبعد المغيب يعودون ... يعبث بهم النهار كيفما شاء ، يُساندون ظلالهم الزاحفة وهم سائرون صوب أعمالهم .
يتوغلون في الزقاق ... لسعات البرد تتحرش بوجوههم ... سجائرهم الملاذ الوحيد لنشوة دفئ عابرة ... الصباح لا يعني لهم لغة الصفاء ... هو المسافة الفاصلة بين ذهابهم الى أعمالهم وخروجهم الى القفص الكبير ... ثم عودتهم الى بيوتهم القفص الصغير .
صوت زحف أقدامهم يطغى على صوت زقزقة العصافير ... مُثقلة أجسادهم كما هي أرواحهم تنوء تحت ثِقل طرق الأبواب التي لا تفضي الا لمزيد من اللاشيئ .
***
(أنا قوس بين يديك ياإلهي فشدني كثيرا ... فلا أحد سيهتم لتحطّمي )
في منتصف الشارع أمشي على يميني مدرسة تعجّ بالذكور وعلى يساري مدرسة تفيض بالإناث ... أرشق عيناي على أطفال يحملون حقائب أثقلتها الكتب ... يركضون على أرصفة محجوزة للباعة على مدار العمر ... ينزلقون من شق الجدار الى أحلامهم وأنا أنزلق في الحافلة بين الحشود.
وجوه كثيرة ... أجساد محشورة ... لا تجمعها إلا محنة واحدة ... رغيف الخبز نعمتنا ونقمتنا .
موتى نترجّل في محطات مختلفة ... البنّاء والنجّار والحدّاد والأستاذ والموموسات يملأن هذا الخواء المفجع في شوارع المدينة .
صمت مشوّه ينمو كزغب في وجهه الفقر .
***
ثلاثون سنة وأنا أحاول الإفلات من قبضة الذاكرة ومن تصور الفقر رجلا .... ليته كان رجلا ... لأراحنا منه عمر بن الخطاب .
تتزاحم التفاصيل في رأسي كل صباح ... ساعة القلب لا تتوافق مع ساعة الحائط ... بين الحلم واليقظة ... ننكسر كثيرا . ومع ذلك نؤمن بسذاجة طفولية ... أننا لم نكبر إلا قليلا وأننا ننظر الى نصف الكأس الفارغة ..وأن ثمة قوس قزح سيصل مشرق الحزن بغرب الفرح .
لست شقيا إلى هذا الحد ... ولكن الناس في هذه البلاد تحولوا إلى كائنات مقتولة ... فئة تعبد الدينار من دون الله ...وفئة تتعاطى الفرح كجرعات مسروقة من الزمن الآتي ... وفئة ورثت الحزن والشقاء مهنتها .
آه يالشدة ما أكره كل ما حولي ... البرد ... والحرب ... والقهر .. واللحم المشاع ... والرصيف العابر والبيت المأجور .
بودي لو أتقيأ على حياة لا تأبه بنا كثيرا ولا تسمعنا ولا تتذكرنا إلا بمزيد من المآتم .