تُحاجِج الحكومة بأنها تمتلك برنامجاً وطنياً للإصلاح. إذ ترد على كل الانتقادات الموجهة لها، بوجود خطة حكومية متكاملة للإصلاح الشامل، السياسي والاقتصادي، كما الاجتماعي أيضا.
الحكومة عند التفسير وتقديم الإجابة عن السؤال بشأن هذه الخطة، تتحدث عن البرنامج التنموي التنفيذي الذي يسعى إلى خلق 130 مشروعا خلال العام الحالي، تطبقه وزارة التخطيط بالتنسيق مع الوزارات الأخرى.
وتضيف إلى ذلك برنامج التصحيح الاقتصادي الذي تطبقه بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي. علماً أن البرنامجين يمتدان على الفترة 2013-2016.
لكن محصلة الجمع بين البرنامجين؛ "التنفيذي" و"التصحيحي"، لا تشكل برنامجاً وطنياً للإصلاح الشامل الذي ينتظره المجتمع. إذ يُفترض بالحكومة أن تقدم خطة عملها للنهوض بمختلف القطاعات الأساسية، لتغيير المزاج العام ورسم أفق أكثر تفاؤلاً للمجتمع.
ثمة ملفات تعمل عليها الحكومة، يمكن أن تُدرج ضمن خطة عملها، بحيث تستدرك النواقص لما تزعم أنه برنامج شامل، لاسيما إذا ما رغبت الحكومة، ممثلة بجميع أعضاء فريقها من دون استثناء، في البقاء في موقعها مدة أطول.
المقصود هنا، ومع بداية عامٍ ثانٍ من تسلم د. عبدالله النسور لموقع رئيس الوزراء، بلورة خطاب جديد للحكومة، يقوم على تقديم برنامج مفصل يشرح للمجتمع ما تسعى إلى تحقيقه. الأمر الذي قد يؤدي دوراً إيجابياً على صعيد تحسين الانطباعات عن الحكومة في أذهان الأردنيين، ويعيد بالتالي إنتاج صورتها في عقول المجتمع الذي بات يؤمن بدرجة كبيرة أن هذه الحكومة لا تُحسن إلا رفع الأسعار والجباية.
الظاهر أن بعض أعضاء الفريق الوزاري بدأ يتلمس هذه المشكلة، ويدرك تماماً سلبيات التصاق سمة "الجباية" بحكومته. وقد بدأ هؤلاء الوزراء، من ثم، بمناقشة الفكرة في اجتماعات مجلس الوزراء، رفضاً لبعض التوجهات التي تعمّق القناعة بهذا الاتجاه، ومن ذلك مثلا بعض بنود قانون الضريبة.
هذا التوجه طيب، ويأتي من وزراء يقومون على وزارات خدمية. وتكمن أهمية استشعار ما يدور حولهم في إمكانية إحباط قرارات مالية جديدة قاسية، بما يسهم بالنتيجة في تعديل الانطباع الشعبي بـ"تخصص" حكومة د. النسور في إفقار الناس، وإيذاء الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل.
الانطباع الثاني الراسخ حيال حكومة النسور يتمثل في أنها معادية للحريات العامة بشكل عام، وحرية التعبير على وجه الخصوص. وهي الفكرة التي أدت إلى صدور انتقادات شديدة عن كثير من الدول الغربية خلال اجتماع جنيف نهاية الأسبوع الماضي، خلال مناقشة تقرير الأردن الخاص بحقوق الإنسان؛ إذ يناقِش هذا الاجتماع، في جلسة تُعقَد كل أربعة أعوام، أوضاع الحريات في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وعددها 192 دولة.
معظم الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وغيرها، انتقدت بقسوة حال الحريات في الأردن، وتحدثت عن اعتقال نشطاء سياسيين وإعلاميين، مع تحويلهم للمثول أمام محكمة عسكرية "أمن الدولة".
بالعودة إلى فكرة البرنامج الوطني الشامل، يبدو مُلِحّاً أن تقدم الحكومة خطة محددة النتائج على صعيد القضايا التي تهم الناس. والهدف هو خلق أفق يجدد الأمل بفرص تُحسِّن حياة المواطنين بعد كل القرارات القاسية اقتصادياً واجتماعياً، خصوصا أن الفكرة المسيطرة مجتمعيا هي أن كل ما يتحمله المرء من نتائج قاسية اليوم لن يأتي بالخير بعد سنوات.
رئيس الوزراء يتقن لعبة إعادة الإنتاج؛ فهو أفلح خلال سنوات من العمل النيابي في إعادة إنتاج نفسه معارضاً سياسياً يحافظ على حجب الثقة عن الحكومات. لذا، فإن نجاحه في إعادة إنتاج صورة حكومته بحيث تغدو حكومة إصلاحية تمتلك برنامجاً شاملاً، مسألة قد تبدو صعبة، لكنها بقدرات النسور تظل قابلة للتنفيذ، أو هكذا نأمل على الأقل.
(الغد)