انخفاض الشعبية هل يبرر رحيل الحكومات؟
فهد الخيطان
24-10-2013 08:38 AM
يعلم رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، أن شعبيته تدهورت في الأشهر الأخيرة، على وقع قرارات إلغاء الدعم عن المحروقات والكهرباء، وسياسات تقشفية تبنتها حكومته ضمن برنامج التصحيح الاقتصادي الذي اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي.
وكان من الطبيعي أن تنعكس الحالة الشعبية هذه على مواقف تيار عريض في مجلس النواب، يتوعد بإسقاط حكومة النسور تحت القبة، مع اقتراب موعد الدورة البرلمانية الثانية.
حالة النسور ليست استثناء في عموم العالم كله. الأزمة الاقتصادية لم تترك بلدا واحدا في حاله؛ فقد ضربت الاقتصادات الكبيرة قبل الصغيرة، وأودت بشعبية الحكومات التي لجأت إلى اتخاذ تدابير اقتصادية مشددة لتجاوز الأزمة.
في فرنسا، تراجعت شعبية الرئيس فرانسوا هولاند بشكل غير مسبوق، وبلغت في آخر استطلاع 26 %، بسبب ارتفاع معدلات البطالة وتراجع النمو الاقتصادي. كما تراجعت شعبية رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الشهر الماضي إلى أقل من 55 %، بعد رفع ضريبة الاستهلاك 3 %.
زعيم أكبر اقتصاد في العالم، الرئيس الأميركي باراك أوباما، لم يسلم من داء انخفاض الشعبية. فبعد أن دخل البيت الأبيض أول مرة بشعبية تجاوزت نسبة 63 %، عاد وخسر في أقل من عامين أكثر من عشر نقاط، وللسبب نفسه؛ الأزمة الاقتصادية بكل تبعاتها.
رؤساء حكومات في دول عربية شهدت تحولات ديمقراطية في السنتين الأخيرتين، عانوا من المشكلة ذاتها؛ رئيس الوزراء المغربي "الإسلامي" عبدالإله بن كيران، والذي شكل حزبه لأول مرة في تاريخ المغرب حكومة أغلبية، شهدت شعبيته انهيارا كبيرا بعد أقل من عام على توليه السلطة، بعدما اضطر إلى اتخاذ قرارات اقتصادية غير شعبية، كرفع أسعار المحروقات وتقنين الدعم.
في تونس، أقر زعيم حزب النهضة الحاكم وزعيم الجماعة الإسلامية الأقوى في تونس، راشد الغنوشي، بتراجع شعبية حركته، وفسر ذلك بجملة مختصرة قالها في حوار مع صحيفة الحياة اللندنية: "إنها السلطة.. معروف أن السلطة عامل تهرئة".
والثابت من تجارب حكومات عديدة حول العالم أن تحدي الشعبية لا يميز بين حكومات منتخبة أو معينة، لأن الأزمة الاقتصادية هي الأخرى لم تفرق بين دول ديمقراطية ودكتاتورية.
غير أن الفرق الجوهري والوحيد هو في طريقة تعامل الدول مع هذا التحدي. ففي دولة ديمقراطية مثل اليونان، تطلّب تمرير حزمة الإجراءات التقشفية إجراء انتخابات مبكرة مرتين في أقل من ثلاثة أشهر، لتأمين أغلبية كافية لحكومة قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة، بعد أن استقالت الحكومة الأولى وفشلت الأحزاب في تشكيل الثانية.
النسور، كما يظهر من حديثه مع الصحفيين أول من أمس، مستعد لمواجهة كل الخيارات والتبعات المترتبة على ما اتخذ وما سيتخذ من قرارات اقتصادية.
هو ليس زاهدا بالحكم، هذا أمر مؤكد، لكنه لا يتردد في القول: "لا أريد تمديدا أو تجديدا. بدهم يروّحوني (ويقصد النواب) لا مشكلة لدي. لا أريد شيئا سوى تأدية واجبي الوطني بغض النظر عن موقف النواب أو غيرهم".
إذا ما استعرنا وصف الغنوشي، يمكننا القول إن السلطة قد "هرت" بالفعل شعبية حكومة النسور، مثلما حصل مع حكومات كثيرة في العالم، بعضها ما يزال مستمراً في الحكم، وأخرى طحنتها الأزمة الاقتصادية.
الظاهر لغاية الآن أن حكومة النسور من الصنف الأول؛ فمواجهة الأزمات الاقتصادية والقرارات الصعبة لا تستدعي بالضرورة وجود حكومات تتمتع بالشعبية. بيد أن السؤال يظل مطروحا للنقاش: هل تراجع الشعبية يبرر رحيل الحكومة، أي حكومة؟
(الغد)