شهدت مصر بعد الثلاثين من يونية وتفويض الجيش بفض الاعتصامات الاخوانية عدداً من المبادرات، منها ما بدأ على استحياء كمبادرة د. سعد الدين ابراهيم، ومنها ما قطع شوطاً ثم عاد الى المربع الأول كمبادرة د. كمال ابوالمجد، الذي قال بعد عدة محاولات للمصالحة ان الاخوان يصرون على موقفهم وهو استعادة الشرعية، وبالتالي عودة الرئيس مرسي الى منصبه، وانتهى ابوالمجد وهو فقيه دستوري طاعن في السن والخبرة والكياسة الى استخدام مفردة قابلة للتأويل هي اذا أصر الاخوان على موقفهم.. فليذهبوا ولم يضف اية كلمة تحدد جهة هذا الذهاب!
وقد بات من المؤكد ان المبادرات والوساطات التي تسعى الى المصالحة بين الاخوان والنظام الراهن في مصر سيزيفية، وبمعنى آخر عبثية لأن من يحاولونها اشبه بذلك البطل الاسطوري الذي يصعد الجبل متابطاً صخرة، ثم يهبط بها ويظل يكرر العملية ذاتها بلا طائل.
وقد لا تكون هذه الحالة فريدة في تاريخ الصراعات السياسية ذات البعد الايديولوجي، لكنها من اشدها وضوحاً، لهذا فان عبارات تقليدية فاقدة الصلاحية من طراز رأب الصدع أو اصلاح ذات البين لم تعد ذات معنى في هذا السياق، فالصراع بلغ مرحلة كسر العظم، وبإصرار الاخوان على موقفهم لن تلوح في الآفاق المصرية اية بشارة لوقف النزيف، فالعنف يتفاقم، ويطال مؤسسات دولة ومواطنين مدنيين وكنائس، وكأن الهدف من ابلاغ الشعب المصري رسالة بأن النظام الراهن عاجز عن حمايتهم، وهذه هي النقطة المحورية في تعريف الدولة الفاشلة خصوصاً بالمعنى الذي حدده تشومسكي قبل أعوام عندما أصدر كتابه الشهير عن مفهوم الدولة الفاشلة.
وثمة من يرون بأن مصر مقبلة على صوملة بمقياس وجزأرة بمقياس آخر فما يسمى العشرية السوداء في الجزائر هو التعبير الرائج شعبياً عن عقد دموي عاشته البلاد وفقدت اعداداً هائلة من كل شرائح المجتمع، حتى هؤلاء الذين لا ناقة لهم ولا جمل دفعوا الثمن أيضاً، لكن المعرفة بمصر كدولة وتكوينات مجتمعية تجعل من نموذجي الصومال والجزائر حالات غير قابلة للتحضير، لهذا لدى المصريين ومثقفيهم بالدرجة الاولى رهانات على ان مصر سوف تعبر الازمة ولو بعد حين لأن هناك وعياً شاملاً بما أدت اليه الأحداث خلال ثلاث سنوات من ارتفاع نسبة البطالة، والتمدد العشوائي للأحياء الفقيرة اضافة الى ارتفاع منسوب الجرائم لأن الفوضى هي المناخ المثالي لتفاقمها.
وما من مبادرات يمكن لها ان تتقدم خطوة واحدة اذا اصر أحد الطرفين المتنازعين على موقفه، لكن المثير للأسى هو ان السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية دخلت الى مصر لأول مرة، واصبحت تعوق الحياة وتثير هلعاً في الاوساط الشعبية، وسيستمر ذلك بتفاوت من حيث عدد العمليات الى انتخابات الرئاسة القادمة لأنها ان وقعت بالشكل المرتجى منها وبنزاهة، ستضع حداً للخطاب المسلح!!
(الدستور)