انتهت الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي، واستطاع الوفد الأردني المشارك فيها تجاوز عنق الزجاجة، وحلّ بعض المشكلات العالقة بين الحكومة و"الصندوق".
النتائج المريحة لاجتماعات واشنطن الأخيرة نتجت عن عاملين: الأول، التنازلات التي قدمها الوفد الأردني بخصوص بعض اشتراطات "الصندوق". والثاني، سياسي مرتبط برغبة خارجية في مساعدة الأردن على تجاوز أزمته المالية.
إلا أن الحدث الذي أدى إلى فرق في النتائج، وحقق إزاحة في موقف "الصندوق"، تمثل في أنباء عودة ضخ الغاز المصري للمملكة، بحوالي 70 مليون قدم مكعب يوميا، ما فاجأ إدارة "الصندوق" التي رجّحت عدم عودة ضخ الغاز لفترة طويلة.
الأنباء القادمة من واشنطن أكدت أن الأردن سيحصل على الدفعة الثالثة من قرض "الصندوق"، والمقدرة بحوالي 258 مليون دولار. كما وافقت الولايات المتحدة على كفالة قرض ثانٍ للمملكة بقيمة 750 مليون دولار، وبما يعكس اهتماما كبيرا من الإدارة الأميركية بالحليف الأهم اليوم في المنطقة، ويؤكد حرص واشنطن على تجاوز المملكة محنتها المالية.
بالنتيجة، فإن الدعم الأميركي للأردن مستمر، لكن شكله مختلف هذه المرة؛ إذ عماده القروض بالدرجة الأولى. ما يعني أنه نصف دعم، لأن الاقتصاد سيُنقل من أزمة العجز إلى موازنة مثقلة مستقبلاً بالدين الذي ستدفع كلفه الأجيال المقبلة.
الأردن وافق على شروط المؤسسة الدولية، والمتمثلة في إقرار تشريع جديد للضريبة، والمضيّ في التخفيف من مديونية شركة الكهرباء، ورفع أسعار المياه، وربما الخبز؛ ولم يُعرف على ماذا اتفق الطرفان بهذا الخصوص. لكن ما درجت عليه العادة أن تُقدم الدول ما يرضي "الصندوق"، مع الالتزام بالوصفة التي يطبقها.
بعد المراجعة الثانية مع "الصندوق"، من المتوقع أن تمضي الحكومة في تطبيق قرارها المتّخذ بخصوص تعرفة الكهرباء، بالاستمرار في زيادة التعرفة على مدى سنوات لسداد مديونية الشركة المتراكمة وتغطية التكاليف؛ باستثناء القطاع المنزلي، حيث يُستثنى كلّ من يقل استهلاكه عن 600 كيلوواط.
تسويق سندات "اليورو بوند" أيضا، ماضٍ في الاتجاه الصحيح. ولولا أزمة الموازنة وسقف الدين التي مرت بها الولايات المتحدة خلال فترة اجتماعات "الصندوق"، لقطع الموضوع شوطا كبيرا. واليوم بعد حل الأزمة الأميركية، ستمضي المسألة بيسر. وخلال تواجده في واشنطن، عقد محافظ البنك المركزي زياد فريز، عدة اجتماعات مع إدارات بنوك عالمية لتسويق الإصدار، ويبدو أن المهمة ستنجح.
ما تقدمه واشنطن والمؤسسة الدولية من قروض وشروط إصلاحية، كفيل بمساعدة الأردن على عبور أزمته المالية بمقدار، لكن هل يكفي ذلك لنقل الاقتصاد إلى مرحلة جديدة، تحقق طموحات الأردنيين إلى حياة اقتصادية أفضل؟ ثمة شك كبير!
الحالة الجديدة التي يتطلع إليها المجتمع لن تتم بالوصفات الخارجية التي تُقدم علاجا موحدا لجميع الدول التي تواجه مشكلات مالية، بغض النظر عن المعطيات المحلية لكل منها، والتي واصلت الحكومة الحالية تطبيقها بكل جدارة، متفوقة بذلك على حكومات سبقتها، وترأستها شخصيات أكثر ليبرالية بكثير من د. عبدالله النسور.
اليونان تعترف اليوم أنها أخطأت بالموافقة على برنامج صندوق النقد، وتظن أنّ تقييم الصندوق لأزمتها الاقتصادية لم يقم على دراسة عميقة للوضع، بقدر اعتماده على مؤشرات نقدية ومالية، أدى الخطأ في تحليل أثرها إلى تعميق أزمة الدين لديها.
لا أحد يرغب في تكرار خطأ اليونان، لنكتشف بعد حين أن الاتفاق مع "الصندوق" فاقم الأزمة ولم يحلها. والحكمة تقتضي أن توفر الحكومة بديلا وطنيا، يستوعب العقبات السياسية والمجتمعية لتأخر تلمس نتائج النهج الاقتصادي المطبّق.
الحراك المحلي المطالب بالإصلاح انطلق بدوافع اقتصادية، بحثا عن لقمة العيش خصوصاً، والشباب الذي خرج مطالبا بمحاربة الفساد اكتوى بنار الفقر والبطالة. ووصفة العلاج الدولية لا تشفي من هذه الأمراض، فهل نقدم وصفتنا المحلية؟
(الغد)