مساهمة جائزة الملك عبد الله الثاني في لإصلاح الإداري*د. محمود العبابنه
21-10-2013 10:15 PM
بمناسبة توزيع جوائز جائزة الملك عبد الله الثاني للتميز بالأداء والشفافية وواقع حال المشاركين والعازفين عن المشاركة والحديث التوجيهي لجلالة الملك عبد الله الثاني عن الإصلاح الإداري والحاجة الملحة لتعزيز ثقافة التميز وحديث رئيس الوزراء الذي تحدث بتلقائيته المعهودة عن الرعب الذي يخيم على الإدارة خوفا من النقد والمعارضة, أقول لم يعد مخجلا المصارحة والقول أن جهاز الإدارة العامة في الأردن حقق تقدماً ملموساً في الترهل وانعدام الكفاءة وهو مصاب بعسر الفهم وسوء مستوى التطبيق, فدعوات إصلاح القطاع العام وتبني طريق الحاكمية الرشيدة والإعلان عن مدونات السلوك لم تؤتي أوكلها, وبقيت خطط الإصلاح سجينة الإدراج المغلقة وان تنفست الصعداء ففي عهود ودوائر محدودة وبقيت المزاوجة بين واقع ملموس ومعاش يئن الناس من رتابته وتعقيداته وبيروقراطيته وبين الوعود والشعارات الرنانة إضافة لتجاهل بديهيات لم يعد أحد يدرك المغزى من وجودها في حياتنا المعاصرة.
فمن المعروف في بديهيات الإدارة أن التخطيط يسبق التنفيذ إلا أن واقع الحال عندنا في الحكومات المتعاقبة "محدودة الصلاحية بعمرها وقوتها", ان التخطيط يتم في مكان والتنفيذ يتم في مكان وزمان آخرين فمفهوم المؤسسية المستقرة المتطورة ما زال أمر مكروهاً للوزير الجديد والمدير ورئيس القسم ما دام انه لم يضع حجر أساسها وإذا رأى الوزير أن هناك مديراً فاعلاً سلط عليه صغار الموظفين بما لا يطيق من دسائس ونكايات.
وزاد الطين بله ظاهرة النفاق الاجتماعي والسياسي فساهم عدد من نواب الأمة على مدى العشرة سنوات الماضية بحشو الدوائر والمؤسسات بكادر ضخم من الموظفين من ذوي الإمكانيات المحدودة ومتوسطي الذكاء وقليل منهم من المبدعين إلا أن معظمهم وعلى مختلف مستوى قدراتهم حمولة زائدة وثقيلة وازدحمت غرف الدوائر بعدد من الموظفين وبعضهم لتسليم المعاملة وأخر يقرأها وأخر يوقع عليها وأخر يختمها لتنتهي بأخر يقوم بتسليمها هذا إذا كان المواطن من أصحاب الحظوظ ولم يطلب منه العودة يوم الغد أو إعادة المعاملة لأن طابع الواردات مختوم عليه أو إلى حين عودة الموظف المجاز. (حيث عندما يجاز موظف تجاز معه الوظيفة التي يقوم بها).
هذا الوضع المأساوي لما ألت إليه الإدارة الأردنية يكاد يعم معظم المؤسسات والدوائر الحكومية التي ينشغل عنها الوزير بفتح البريد وتوقيع المعاملات ومنح أجازه ونقل موظف وتوظيف أخر بدلا منه وافتتاح ورشة عمل واستقبال نواب يخشى من سطوتهم وعدم تلبية طلباتهم.
الإدارة الأردنية التي كانت مثلا يحتذي على المستوى العربي تحولت إلى إدارة قطاع عام تدار بطريقة مركزية بامتياز فلا تفويض للصلاحيات ولا وقت لدراسة تقارير المراجعة والتقييم وما زالت سياسية "الإرضاء وحايد عن ظهري بسيطة" هي العنوان الرئيسي في منهاج الإدارة الحكومية الجديدة ومن المؤسف أن يطال ذلك أجهزة محصنه من النقد أو إبداء الملاحظات على أعمالها فالقرارات المصيرية المتعلقة بحقوق الناس وأعراضهم وأموالهم لا تصدر إلا بعد شق الأنفس وبطريقة لا تخلو من تعجب مما أثر على الاستثمار الذي بدورة يعاني من الروتين والتخطيط والبيروقراطية والتي ساهمت بنجاعه في حمل كثير من المستثمرين الأجانب على حزم حقائبهم إلى المطار ولنا أن نتذكر النافذة الاستثمارية التي هللنا لها كثيرا لنكتشف أنها تعمل لحساب دائرة البريد الأردني.
المشكلة قبل تكون في الموظف ذاته فإنها في البيئة الإجرائية المحيطة به والتي هيأت له الظروف المناسبة للانحراف والبيروقراطية والميل للصالح الخاص على حساب الصالح العام كما أن عدم تعزيز النجاح بل عدم حمايته من عقارب الحسد والنكايات ومقالب مراكز القوى الخفية والتي برع بعض أبطالها في تهجير كثيراً من الكوادر الناجحة أو استبدالها بأزلام تخدم مصالحهم ومع ذلك وقعوا بشر ما كان يكيدون ولا يسعنا إلا أن ندعو لهم في غرفهم الضيقة المغلقة بالأقفال.
جائزة الملك عبد الله الثاني هي من أهم الأدوات التي ساهمت في تطور الجهاز الإداري في الأردن ولها معايير صارمة وهي محايدة ودليل ذلك الصراحة التي أدلى بها نائب رئيس مجلس أمناء الجائزة عندما أشار إلى مواضع الخلل والتقصير والتطنيش لقيمة الجائزة إلا أن النتيجة ستكون لصالح من لا يعمل بهذه الإدارة أم اللذين فازوا بجوائز التميز فلا نغبطهم على فوزهم بل ندعو لها بطول السلامة لأن الأنظار ستتوجه إليهم وربنا يستر ويحمي.
الكاتب محامي وأستاذ
بجامعة البتراء
.