مرة اخرى يصدق التخطيط الاسرا-امريكي، في عزل غزة عن العالم، رغم ما نقلته جميع وكالات الانباء عن الكوارث الانسانية الوشيكة (وكأنها لم تقع بعد) في القطاع السجن. فمنذ قررت مصر الشقيقة اعادة احكام حدودها مع غزة وانا اتسائل، اليس الغزيون بشر مثلنا؟! اذا كان الجواب نعم، فلم يجب عليهم ضبط الجوع والعطش والمرض لارضاء اسرائيل وامريكا التي لم تتوانى عن التعبير عن استيائها من تحطيم الجدار الفاصل بين غزة ورفح؟! سؤال بديهي بريء لم اجد له جوابا بصراحة. بالطبع لا يجب ان يغضب بوش، اكثر رؤساء امريكا ولاء لاسرائيل ويهودية دولتها على الاطلاق، كما لا يجب ان ينزعج اللوبي الصهيوني، الذي يجب تطبيق اوامره بحذافيرها، حتى لا تحترق الارض تحت اقدام اصحاب القرار في امريكا. فبعد ان تكللت جولته الراقصة بالنجاح، وبعد ان رقص بوش الابن بجسده في اسرائيل والبحرين والسعودية، رقص مرحا بكلماته في شرم الشيخ مع رئيس اكبر دولة عربية. سحقا بوش، ففأل وجهك على المنطقة خراب ودمار ودم يجري،،، فغزة التي لم تؤهل ولم تسهل ولم ترحب ادنى ترحيب بقدومك المفجع، تدفع الآن ثمن بنزين الطائرة التي اقلتك.
يتجلى نجاح جولته تلك في غزة الآن، غزة التي تغرق في ظلام ومياه آسنة، بؤس ومرض وموت وما خفي اعظم. ففي اثناء وجوده في بلد الحرمين الشريفين، بلد ميلاد الرسول محمد (ص)، كان فلسطينيوا غزة يرقصون على انغام الطائرات والذخائر الاسرائيلية مذبوحين من الالم والخيانة والصمت العربي الموحش.
شرب بوش حتى الثمالة في اسرائيل مع اخيه وصديقه الحميم اولمرت، وفي السعودية حيث لم يجد ما يشرب من مسكرات،، شرب الدم الفلسطيني في الفناجين العربية، على الموائد العربية وبمباركة عربية ايضا.
لم نسمع اصوات استنكار ،باستثناء بعض الاصوات العربية وغير العربية، تصدح عاليا كما هي الاف حناجر الشباب والشابات العربيات ممن نراهم بلا مقدمات على شاشات التلفزيون يرقصون ويتمايلون جسدا وعقلا...ليؤدوا رسائل اسرائيلية لنا مقتضاها....ناموا ولا تستيقظوا...ما فاز الا النوم.
في غزة يسود ظلام دامس بسبب انقطاع الكهرباء، ويشرب الغزيون مياها ملوثة ويتعلمون السباحة وركوب الامواج في المياه الاسنة المتدفقة من شبكة الصرف الصحي نتيجة قطع امدادات الوقود من قبل اسرائيل (ام الديمقراطية والانسانية) وبالتالي انقطاع التيار الكهربائي.
في غزة يتحول الطريق الى العمل او المدرسة الى عقاب في الشتاء بسبب نقص الوقود واضطرار الغزيين لاستبدال وسائل المواصلات بالمشي على الاقدام. في غزة، يتحول الشتاء من فصل الرومانسية والكستناء الى تعذيب يومي دون حطب او وقود يدفأ الابناء سوى احضان الاباء والامهات،، اواحضان الارض الرؤوم التي لا ترفض ابدا تدفئة ابناءها.
عند اعلان اولمرت الحرب على غزة باعلانها كمنطقة معادية، بادرت كوندليزا رايس التي كانت في اسرائيل انذاك بالقول ان امريكا تسير على خطى اسرائيل وتساندها العداء لغزة مضيفة ان الشعب الفلسطيني ليس المقصود وبانه لن يؤخذ بجريرة "الارهابيين". وها هي تصدق الآن كما امريكا واسرائيل ابدا، فلا يكاد يخلو بيت في غزة من شهيد او اكثر ومن سجين وجريح وصاحب اعاقة حرب وذلك نتيجة للعدوان المستمر عليها باثقل الاليات والاسلحة فضلا عن نقصان الادوية بل وحتى الاكفان......حتى غطاء الميت شح في غزة. فلا يجب على الغزيين الشبع والارتواء، فقط يسمح لهم بالجوع والعطش في السجن الكبير.
غزة اضحت محتلة عدا باقي فلسطين، فلا محتل الا في غزة ولا ارهابيون وقتلة ارتكبوا مذابح في التاريخ القديم والحديث والاحدث. القدس لنا وحيفا ويافا وتل الربيع (اقصد تل ابيب) كلها مدن فلسطينية لا يعيث فيها اعداء العرب واحفاد بني صهيون فسادا. ليس هناك قتل ولا تجويع لاهل غزة خاصة واشكال اخرى من القتل البطيئ من تهجير ومصادرة اراضي وقتل اشجار الزيتون في فلسطين عامة. لم نعد نسمع اسم فلسطين واستبدلت بكلمتين "غزة" و"الضفة الغربية". لقد بتنا فقط نحن العرب نستخدم هذا "المصطلح القديم"، وباتت فلسطين غائبة عن خرائط العالم. لو جرب احدنا الخروج من قوقعتنا وحاول ايجاد فلسطين على اي خارطة غربية، على موقع وكالة المخابرات المركزية الامريكية مثلا، لن نجد ذكرا لفلسطين، سنجد اسرائيل ولكن في خريطة فلسطين. ونجد نقطتين صغيرتين لا تكاد تراهما بالعين المجردة "غزة" والضفة الغربية".
أخيرا وليس آخرا، اقول انني لا املك غير القلم ومبادئ اربي ابنائي عليها اساسها العروبة والكرامة واشياء اخرى باتت اليوم غريبة بعض الشيء. يعتصرني الالم عند احساسي بالبرد لدقائق قبل اشعال المدفأة التي يحرم منها اهل غزة، ويقتلني الشبع الف مرة لالاف يجوعون في غزة وتغتالني الحياة لموت طفلة وام على سرير (الشفاء) بسبب عدم توفر "اكسير الشفاء"،،، ويقتلني الصمت العربي عند الحديث عن صخب ورقص في حياة العرب والمسلمين المترفة،،،، انهم يرقصون مذبوحين من العذاب وانا ارقص ليس طربا بل واصرخ من مكاني، عربية انا احب عروبتي وابناء عروبتي والرقصة العربية...وللحديث بقية.