الخلافات والتجاذبات بين المسؤولين في الحلقات الضيقة لصناعة القرار، ليست أمرا جديدا في الأردن؛ فقد اعتدنا عليها منذ زمن بعيد. وفي مراحل سابقة، كانت الخلافات تخرج من الدوائر الضيقة إلى فضاء سياسي أوسع.
منذ أشهر، والأوساط السياسية تتداول أنباء عن خلافات بين مسؤولين سياسيين وأمنيين في مراكز متقدمة، اتخذت في بعض الحالات شكل المواجهات الساخنة.
ثمة تفاصيل كثيرة ومثيرة متوفرة بهذا الخصوص، لكن من غير اللائق الخوض فيها، خاصة وأن التأكد من صحتها بشكل قاطع أمر متعذر.
بالنظر إلى تقاليد العلاقة بين المسؤولين الأردنيين، يمكن للمراقب أن يتنبأ بدوافع الخلافات؛ تباين في الاجتهادات حول مواضيع الساعة، تنافس على النفوذ والأدوار في عملية صناعة القرار، وفي أحيان كثيرة حساسيات شخصية، وطموحات تتصادم حول كراسي السلطة.
من مظاهر الخلافات الحالية ما يشير إليه نواب وساسة عن تضارب في القرارات والتصريحات بشأن ملفات؛ توقيفات حراكيين وإعلاميين، والتعامل مع الأزمة السورية وتداعياتها على الأردن.
ويجتهد بعض من يزعمون أنهم على معرفة بتفاصيل الخلافات في رسم خريطة لتحالفات المسؤولين، تُظهر الخطوط الفاصلة بين معسكرين، لا بل ثلاثة أحيانا، يتوزع عليها الرجال النافذون في الديوان الملكي والحكومة والأجهزة السيادية والأمنية.
في أعرق الدول تنشب خلافات في الرأي بين صانعي القرار، وعلى أعلى مستوى. ذلك أمر طبيعي بالتأكيد. ويجتهد أطراف الخلاف في التكتم عليه خوفا من تسربه لوسائل الإعلام، واستغلاله من طرف المعارضين للحزب الحاكم. وفي العادة، يمر وقت طويل قبل أن يعرف الرأي العام حقيقة هذه الخلافات من مذكرات السياسيين بعد أن يغادروا مواقع المسؤولية. يحدث هذا كثيرا في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال.
وعند التدقيق في وقائع الخلافات، يتبين أن العام يختلط بالشخصي، ويتحول مع مرور الوقت إلى خصومة يسعى كل طرف فيها إلى الإطاحة بالآخر. ولا يتردد البعض، كما حدث في مرات سابقة، في الاستعانة بحلفاء خارجيين لتدعيم موقفه.
في الصراع الذي نحن بصدده، يتعذر التقاط جوهر سياسي. يمكن التأكيد أن الخلاف على الصلاحيات وحدود المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك حاضر بقوة، لكن ما هو أقوى منه الطموح السياسي للأفراد، وفي أقل الحالات البقاء على الكرسي.
لكن تجارب سابقة بينت أن ما من طرف يمكنه الانتصار على الآخر. وإن حدث ذلك، فسيكون مؤقتا، وسرعان ما يخسر الجميع كراسيهم.
لا نتمنى لأحد أن يخسر وظيفته ودوره في تحمل المسؤولية. بيد أن دقة الظروف الداخلية والإقليمية من حولنا لا تحتمل الدخول في صراعات ومناكفات شخصية، ربما يكون لها انعكاس خطير على أداء المؤسسات لوظائفها.
المرحلة تحتاج إلى فريق عمل متجانس، تتنوع فيه الاجتهادات والآراء من دون أن تتصادم، وتتقاسم فيه المؤسسات الأدوار حسب القانون وليس وفق الأهواء الشخصية.
من بين مهمات الإصلاح الملحة في الأردن، وضع إطار قانوني يحدد مرجعيات ومسؤوليات دوائر ومؤسسات القرار بشكل واضح، ويزيل التداخل الحاصل في الواجبات. أما فيما يخص الطموح السياسي والوظيفي للمسؤولين، فما من طريقة تضع حدا له سوى تطوير آليات تداول السلطة، والتي تعطي كل ذي حق حقه.
جريدة الغد - فهد الخيطان