هكذا تدور المعركة الانتخابية في مجلس النواب
جميل النمري
21-10-2013 03:09 AM
لم أتحدث يوما عن الإصلاح من دون تحديد الأفكار والمقترحات التي يعنيها. وفي كل مرة، أكتشف ان الإجماع على مبدأ الإصلاح والتغيير لا يلبث أن يتبدد عند الانتقال من الإنشاء والكلام العام إلى التفاصيل الملموسة والمقترحات البديلة.
وتجد أن كثيرين بعد أن تكلموا مطولاً في العموميات، ليس لديهم أي تصور ملموس أو مقترحات، أو لديهم ما هو متداول ومألوف، وربما -بوعي أو من دون وعي- يقدمون ما هو أكثر رجعية.
في إصلاح النظام الداخلي لمجلس النواب، كان يقع الأمر نفسه. وقد أمكن وضع المقترحات الإصلاحية المهمة على الطاولة بسبب وجود مرجعية لنصوص مشغول عليها جيدا من السابق، بعضها وضعته أو شاركت في وضعه مؤسسات المجتمع المدني عبر مناقشات وبحوث على الأنظمة الداخلية في دول أخرى. هكذا، أمكن تمرير ما يقارب 70 % من الأفكار الجيدة داخل اللجنة القانونية، لكنها انحسرت إلى 30 % في التصويتات تحت قبة البرلمان.
ولا أعتقد أن ذلك بسبب موقف معاد للإصلاح من الأغلبية، بل بسبب جِدة المقترحات غير المألوفة. وقد كان على الأغلبية الساحقة التي لم تشارك في النقاشات التمهيدية هضم معنى وأثر تلك المقترحات على تغيير حياة المجلس نحو الأفضل، وهو ما لم يكن واضحا لهم، فكان سهلا تنحية تلك المقترحات لصالح ما هو مألوف ومعروف.
من تلك المقترحات، الانتخابات الداخلية في المجلس للرئاسة والمكتب الدائم واللجان. فها نحن نقع في نفس الأجواء البائسة وغير الصحية المألوفة لانتخابات الرئاسة؛ إذ الكل يدور حول الكل، ويقال كل شيء إلا القناعات الحقيقية، والحذر والتخفي هما سيدا الموقف، إلى جانب الإشاعات والأقاويل عن مواقف الناس وتوجهاتها. وهناك تعبير حصناوي طريف هو "المغاطسة" يطلق على الحال القائمة، والمعركة الانتخابية في بداياتها الغامضة للمرشحين المحتملين.
كان هناك مقترحات بديلة لانتخابات المكتب الدائم واللجان تقدمت بها، وتقول: تتشكل لجان المجلس على أساس التمثيل النسبي للكتل. ويُنتخب رئيس المجلس بالأغلبية المطلقة، وتذهب مقاعد المكتب الدائم إلى الكتل وفق تسلسل حجومها، أي منصب النائب الأول للكتلة التالية لكتلة الرئيس -إذا كان عضوا في كتلة- والنائب الثاني للكتلة الثانية.. وهكذا.
لو حصل ذلك، لكان مشهد المعركة الانتخابية مختلفا جذريا، ولما كان كل هذا اللف والدوران و"المغاطسة"، وغداً المساومات غير المبدئية التي يذهب بها الجميع، ويخاتل فيها الجميع، حتى داخل الكتلة الواحدة. وكان يحدث أن يتخلى البعض عن مرشح كتلته للمنصب، فيسقط الأخير لصالح مرشح كتلة أخرى، مقابل أن يحصل من تخلى عن زميله على المنصب التالي بوعد الدعم من المنافسين لكتلته على المنصب الأول. هكذا تُضرب الناس ببعضها، وتتفسخ الكتل، وتنهار الثقة، وتنزرع الشكوك، ويتم تراشق التهم بالغدر.. إلخ.
كل ذلك سيختفي كليا بمقترحنا. فالمنافسة على رئاسة المجلس ستنفصل كليا عن المكتب الدائم الذي ستُمثل فيه الكتل حسب تسلسل حجومها، ولن يكون هناك مقايضات على منصب الرئيس، ولا ابتزازات ولا وعود وعهود مقابل مناصب، بل ستعمل كل كتلة على توحيد صفها وتوسيع حجمها للفوز بأول المناصب، وسيعمل كل عضو فيها داخل كتلته، ومن دون اتصالات تحت الطاولة مع جهات أخرى، لأن عليه فقط أن يحصل على ود وثقة زملائه للمنصب المقرر للكتلة.
بوضوح آلية مستقلة لإسناد جميع المناصب الأخرى، ستكون معركة رئاسة المجلس مختلفة كليا؛ فلا توجد مقايضات ولا صفقات، بل فقط قناعة الكتل والأفراد بهذا المرشح أو ذاك. وهو ما يقود إلى نتائج أفضل لانتخابات الرئاسة وجميع المواقع الأخرى، إضافة إلى تكريس الوضوح والعقلانية والمؤسسية، وترسيخ مكانة الكتل في العمل البرلماني.
(الغد)