هيمن الجدل بشأن مصير حكومة د.عبدالله النسور على أحاديث ونقاشات السياسيين خلال فترة العيد. يقف وراء ذلك ما "تسرّب" من معلومات عن إجراء "استمزاج" سرّي لنخبة من السياسيين حول وضع الحكومة في الشارع، فكان الانطباع الأولي أنّ وضع الرئيس سيئ جداً، فيما دفعت أغلب النصائح باتجاه رحيل الحكومة.
وعلى وقع هذه "المعلومة" مجهولة المصدر والنسب، وهي ليست دقيقة بالضرورة، بُنيت سيناريوهات إعلامية ونقاشات سياسية. وتجاوز البعض الحديث عن تغيير الحكومة إلى تغييرات تشمل الديوان الملكي، وربما بعض مراكز القرار الأخرى!
لعله ليس جديداً الحديث عن بقاء الرئيس الحالي أو رحيله، فهذا السيناريو يلاحقه منذ اليوم الأول للتكليف، إلى درجة أنّه "تكيّف" معه. وعلى النقيض من التوقعات المختلفة، عمّرت الحكومة أكثر من غيرها، وعبر الرئيس محطات صعبة؛ من تحرير أسعار المحروقات، إلى رفع أسعار الكهرباء، إلى المعارك الشرسة بينه وبين نخبة معادية من النواب خلال منح الثقة وغيرها.
وإذا كان هنالك مبرّر اليوم للحديث عن رحيل الحكومة، فلن يكون -في ظني- مرتبطاً بـ"منسوب شعبيتها"، فثمة أولويات أخرى لدى دوائر القرار. بل إن ما يميّز النسور أنّه لم يسع وراء الشعبية، واتخذ "القرارات الصعبة" التي تلكأ فيها رؤساء وزراء سابقون، وتراجعوا وترددوا خوفاً من الشارع، بمن في ذلك بعض من يقع منهم على يمين الليبرالية الاقتصادية مقارنة بالنسور؛ فيما نفذ الأخير وجبة دسمة من متطلبات الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، مستثمراً الظروف الإقليمية من جهة، وضعف الحراك الداخلي من جهة أخرى!
إذن، ما قد يشوّش على الحكومة ويزعجها خلال الفترة المقبلة، ويعيد طرح سؤال استمراريتها، هو موقف مجلس النواب منها؛ فيما إذا استمرت المشاغبة عليها، وتواصلت جهود الفريق النيابي الذي يسعى جاهداً للإطاحة بها، باستثمار قراراتها الاقتصادية، وهو سيناريو سيكون أكثر وضوحاً مع بدء الدورة العادية مطلع الشهر المقبل، أو فيما إذا نجحت الجهود الرسمية لـ"ترويض المجلس"، وترتيب البيت الداخلي، بخاصة بعد حادثة "الكلاشنكوف"، أم أنّ الدولة ستضطر في النهاية للتضحية إما بالحكومة أو بالمجلس، وعندها سيكون الخيار الأسهل دستورياً وسياسياً وشعبياً هو الرئيس بلا نقاش!
ضمن المعطيات الحالية، فإنّ قدرة النسور وفريقه على الاستمرار ومواصلة تطبيق السياسات الاقتصادية القاسية ما تزال قائمة حتى العام المقبل، وطالما أنّ السياسات الاقتصادية عابرة للحكومات ولا تتغير بتغير الرؤساء، بل إن النسور أثبت قدرة أكثر من غيره على تنفيذها، فلماذا يتم تغيير الحكومة والإتيان بأخرى قد لا تملك القدرة ذاتها على السير في السياسات الاقتصادية؟
يعزّز بقاء النسور اليوم عدم رغبة "مطبخ القرار" في الدخول مرّة أخرى في ماراثونات المشاورات النيابية لاختيار رئيس وزراء جديد، والتي ألزم "المطبخ" نفسه بها، مع "شحّ البدائل" التي يمكن أن تؤدي "المهمة الصعبة جداً"، وهو ما قد يؤثّر سلباً على المسلسل الاقتصادي الحالي.
في ضوء مثل هذه الملاحظات، فإنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً إلى الآن هو بقاء الرئيس عبدالله النسور إلى فترة زمنية أخرى، طالما أنّ موجبات البقاء أقوى من التغيير في منظور "مطبخ القرار". وبالضرورة، فإن ذلك يختلف عن "منظور الشارع" الذي يرى في الرجل "جلاداً" و"جابيا" اقتصادياً، ومنقلباً على نفسه وما كان ينادي به من مبادئ عندما كان يتحدث بلسان المعارضة النيابية.
الأهم من هذا وذاك أنّ القناعة الشعبية أصبحت اليوم أكثر رسوخاً بأن تغيير الرؤساء لم يعد يجدي طالما أنّنا أمام السياسات نفسها، بالرغم من التعديلات الدستورية والإصلاحات الجزئية التي تمت!
(الغد)