لو كان صندوق النقد الدولي يبحث عن مشكلة مع الأردن لقال ببساطه أن بعض الشروط لم تنفذ في المواعيد المتفق عليها ، وهو سبب كاف للانسحاب وتجميد البرنامج وما يعنيه ذلك من تأثير سلبي على المنح العربية قبل الأجنبية ، وعلى الحصول على الكفالة الأميركية لقرض اليورودولار المشروطة بشهادة حسن السلوك من الصندوق.
لكن الصندوق لم يأخذ هذا الموقف السلبي ، ولم يحاول تصيـّد الاخطاء والنواقص ، فقد جاء للمساعدة ، إن لم يكن مدفوعاً بحوافز مهنية فبتوجيهات سياسية.
أشار الصندوق إلى الأخطاء والنواقص ولكنه التمس لها العذر بصعوبة الأوضاع الإقليمية ، وأعطى فرصة بعد أخرى.
بعد المراجعة الأخيرة في أيلول الماضي كان من الممكن أن يؤجل الصندوق أو يمتنع عن إطلاق 285 مليون دولار تمثل الدفعة الثالثة من قرضه للاردن ، مما كان سيعطي صورة سلبية عن الجدارة المالية للبلد ، وعودة مقولة الدول المانحة: لا نساعد من لا يساعد نفسه.
لكن الصندوق اختار أن يصرف الدفعة الثالثة في موعدها على أن تعتبر المراجعة التي قام بها مندوبو الصندوق في أيلول واسفرت عن نتائج مختلطة بمثابة عمل جزئي يستكمل في تشرين الثاني على أمل أن تتمكن الحكومة خلال هذه الفترة من استيفاء النواقص وعلاج العيوب التي صادفها الصندوق.
المشكلة في هذه الحالة أن المهلة المعطاء للحكومة قصيرة جدأً ولا تزيد عن أسابيع معدودة لا تستطيع الحكومة خلالها أن تصنع المعجزة ، فهي لا تستطيع مثلاً أن تمرر قانون ضريبة الدخل الجديد في غياب مجلس النواب. ولا تستطيع أن تقدم حلولاً عاجلة لتفاقم مشكلة شركة الكهرباء الوطنية واستمرار تراكم خسائرها الفادحة في ظل انقطاع الغاز المصري ، فالبدائل قد تكون متاحة ، ولكنها تحتاج لشهور وربما سنوات حتى تكتمل.
أغلب الظن أن الصندوق سيكفيه أن يجد صيغة نهائية مقبولة لقانون ضريبة الدخل مقدمة إلى مجلس النواب بصفة الاستعجال ، كما انه سيطلع على الإجراءات التي تتم على وجه السرعة في تهيئة ميناء العقبة لاستقبال الغاز السائل من جميع المصادر العالمية.
يبقى أن (الدلال) له حدود يحسن أن لا تتجاوزها الحكومة الأردنية ، وأن الإصلاحات واجبة التنفيذ ، ليس فقط لأنها مطلوبة من قبل الصندوق ، بل أيضاً لأن الاقتصاد الأردني بحاجتها ، فهي مصلحة وطنية في المقام الأول.
(الرأي)