ما يغري بهذا الاقتران بين داعش والغبراء ليس إيقاع الكلمتين أو ما يسمى المتتاليات النفسية، بل هو ما تعنيه كلمة أغبر أو غبراء باللهجة العراقية، فهي صفة سلبية إذا أطلقت على إنسان أو مشهد، لهذا فالغبراء العراقية ليست فرسا من الجاهلية، كما أن داغش ليس ذلك الجواد الذي تسبب سباقه مع غبراء بحرب بين قبيلتين.
وحقيقة الأمر أن كثيرا من حروب العرب الحديثة والبينيّ منها بالتحديد لا يختلف عن حرب البسوس وبالتالي عن داحس والغبراء.
الاسم الحركي لدولة الاسلام أو بمعنى أدق إمارته في دمشق وبغداد، هو من بين مئات الأطراف التي تخوض حربا منذ فترة في سورية، وليس هدفنا في هذا السياق تقييم أو حتى قراءة مثل هذه الأطراف، لأن لكل طرف منها ليلاه التي يغني لها وربما يغني عليها.
وإذا احتكمنا إلى ما تعنيه الغبراء باللهجة العراقية فإن هذا الوصف يمكن إطلاقه على أوطان امتص الخريف حتى نخاعها، وتحولت الى هشيم لهذا فهي ليست فرسا أو حتى حصانا خشبيا من طراز ذلك الحصان الطروادي الشهير.
إن من قتلوا بالسيوف والرماح في حرب البسوس أقل من واحد بالألف أو المليون ممن قتلوا في البسوس الحديثة، وقد تكون حكاية تلك العجوز ذات معنى إذا قورنت بحكايات عصرنا، وحروب الإخوة الأعداء، فثمة من يحاربون بعضهم من أجل كيلومتر على الحدود، ليفاجأوا بأنهم خسروا مساحة الوطن كله عندما استثمر الغزاة هذا الصراع بين ذوي القربى، والمفارقة هي أن العربي المعاصر أصبح حاتم الطائي قدر تعلق الكرم بالأعداء، لكنه أنجل من كل من تحدث عنهم الجاحظ عندما يتعلق الأمر بذوي القربى، وتلك دراما طويلة وموجعة لها مقام آخر!
لقد أصبح اسم داحس لدبابة أو قنبلة أو صاروخ وليس لحصان، كما ان اسم الغبراء أصبح لبلاد وعباد اشتبكت حتى اصابعهم واصبحت اليد اليمنى عدواً لتوأمها الأيسر أو الأعسر لا فرق!
ان المفارقة هي استخدام مصطلحات سياسية حديثة ومن معجم هذا العصر في سياقات بدائية تنتمي الى حقبة ما قبل الدولة، فالمسألة ليست في تطور أدوات القتال أو تكنولوجيا الارتهان والاختطاف والتعذيب، ما دام الواقع غريزياً وبدائياً وتحركه عوامل لا صلة لها بالهوية الوطنية الأم.
انتهت حرب البسوس الحديثة بملايين القتلى والمشردين والمعوقين، أما حروب داحس أو «داعش والغبراء» فلا تلوح لها نهاية، لأن الأجساد تقيم في هذا القرن والعقل لم يغادر طفولته!
(الدستور)