"يتيمة الزوج" .. قصص "الجدّات"
19-10-2013 01:41 PM
عمون - الكاتب السعودي عبد الله محمد العبد الله في روايته المعنونة (يتيمة الزوج) يتمتع بموهبة سردية جذابة على الرغم من ان الرواية لا تتسم بالشروط "الفنية" اللازمة في مجالات معينة خاصة في مجال الشخصيات ونموها والاحداث وتسلسلها.
من السمات التي تلفت النظر عند عبد الله محمد العبد الله في عمله هذا انه يذكّر بقصص "الجدّات" الدافئة والجذابة وان تكن لا تهتم دائما بتطور الشخصية ونموها أو بمنطقية تسلسل الاحداث. إنها معبأة بالدفء وبالصور الانسانية الأليفة من حيث العائلة وهمومها وما يربط بين افرادها او يفكك العلاقات بينهم.
وهو عندما يقص يذكّر القارىء بأجواء "كان يا ما كان" والانسياب الذي يتبعها عادة وينتقل بها من حدث الى حدث ومن حال الى حال فيشعر القارى بامتلاء بالدفء ولا يهمه - للوهلة الاولى على الاقل - مدي اقناعية الشخصية او الحادثة.
الا ان ما يشفع بالامر في هذين المجالين ان ما يروى بعيد عن اجواء التحليل الفني والحذلقة الفنية وقريب الى الحياة اليومية بعادياتها وتأثيراتها التي لا تنتج عن طرح قضايا فكرية او نفسية عميقة وعويصة بل تركز على الهموم التي نعرفها في قصص الجدات وبعد "كان يا ما كان."
ومن المقبول في الامر ان المبالغات الكبيرة بعيدة عن أجواء الرواية وبعض ما قد يمكن ان يوصف بان فيه قدرا من المبالغة يبقى في حدود المحتمل ولا يصل الى مستوى غير المعقول. وقد وردت في الرواية شخصيات عديدة ربط المؤلف بينها بخيوط بدت قوية ومقنعة في اكثر الاحيان.
جاءت الرواية في 140 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار (بيسان للنشر والتوزيع والاعلام) في بيروت.
تتحدث الرواية عن يوسف وسارة الزوجين اللذين يحب احدهما الاخر وقرار يوسف الزواج من اخرى بسبب مشكلة عدم رزقهما باولاد. هنا قد نجد مأخذا على الكاتب في انه لو يوضح الوضع بشكل كاف بالنسبة الى العقم الذي نسبه الى يوسف ثم انجابه بعد زواج من اخرى وعلاج تعرض له.
يبلغ يوسف سارة بانها حرة في ان تبقى زوجة له او ان تتركه فبقيت معه قابلة بغصة الحرمان من الاولاد قبل ان يخضع هو للعلاج.
تبدأ الرواية في شكل حركي ومختصر يتسم به الكاتب في احيان كثيرة فنقرأ "سأل يوسف زوجته سارة عن قرارها بعد ان انتهت الايام الثلاثة التي طلبتها لتأخذ وقتها في التفكير قبل ان تقرر. ولكنها لم تخبره عن قرارها حتى بعد انقضاء المهلة التي طلبتها...
"وبدلا من ذلك طلبت ان يأخذها الى مكة لاداء العمرة لتدعو الله بما في نفسها. اخذ يوسف سارة للعمرة وعادا في اليوم التالي...
"قالت سارة : وهل تعلم بانني قررت الا احرم عيني من النظر اليك... نعم يا حبيبي فسابقى معك رغما عنك..."
تزوج يوسف من جديد امراة اسمها نوف ورزقا باولاد بعد علاج نجح هذه المرة. بقيت سارة الجميلة ذات الخلق الرفيع الام المربية الحنون التي تسهر على العائلة كلها بينما كانت نوف تنصرف الى امور سخيفة وتتصرف بضيق عقل.
وتكر الاحداث. كبر الاولاد الثلاثة..الصبيان الاثنان والبنت التي اسماها والدها سارة مثل سارة الام المربية او الام التي لم تلد كما يصفها الكاتب. وهنا قامت نوف الام الوالدة بطرد سارة من المنزل مع ان لها حصة فيه. لم تعترض سارة وفاجأت الجميع بالانتقال الى بيت فخم كان يوسف قد اشتراه لها.
كانت عواطف الاولاد مع سارة ولم يتخلوا عنها وقام الابن الاكبر بالانتقال والسكن معها. ولم يلبث الاخران ان لحقا به لكن سارة اصرت على الا يتركوا امهم جميعا فانقسم الاولاد بين الاثنتين وظلت سارة مرجعهم العاطفي والعائلي الاول.
"ورغم ان نوف كانت تغلي بغيظها من سارة لانها الاجمل وكل العيون ترنو اليها... دون ان ترنو الانظار الى نوف رغم تكلفها في مكياجها ولباسها.. كما ان نوف حملت الغيظ من سارة لسبب آخر وهو حب ابناء يوسف لسارة اكثر منها وهي والدتهم..."
وما لبثت نوف بعد ان ترك الاولاد البيت ان تزوجت من رجل متزوج انخدع بها وتوهم انها غنية. رزق منها بولد لكنه ما لبث ان تخلى عنها وعنه وتركها فقامت بتربيته بطريقتها الجاهلة فكان مصدر مشكلات لها.
وتزوج احد الاولاد وسكن هو وعروسه عند سارة الى ان وجدت له بيتا قريبا منها واثثته له وانتقلت الابنة الى السكن معها ايضا. سارة ابنة يوسف كبرت وصارت فتاة جميلة ومتعلمة.
لمحها "محمد" ثم راى رسمها في معرض في الميتم الذي كانت تقدم دروسا فيه. احبها واراد ان يخطبها لكن محمدا هذا كان ابن رجل من امراة من جنوب شرق اسيا. مات ابوه في تحطم طائرة وكانت امه قد سافرت الى بلدها على ان يلحق بها الاثنان لكن موت الاب حال دون هذا الامر.
وضع الطفل في ميتم الى ان تبناه رجل وجيه وامراته واحباه كابنهما وثقفاه ودللاه.
وتدخل القدر هنا مرة اخرى اذ ان والد محمد قتل في حادث سيارة لكنه كان قد كتب كل شيء لمحمد معتذرا منه طالبا صفحه. جاء جد محمد اي والد ابيه الى الميتم واستعلم عن محمد وقدم الوثائق فصار محمد ابن عائلة مهمة لا تقل عن العائلة التي ربته.
تزوج محمد من سارة على الرغم من ان هناك "فرقا" مذهبيا بين العائلتين الا ان الجميع كانوا عقلاء على رغم الرياح المذهبية الهوجاء التي اخذت تهب في الاونة الاخيرة.
كان محمد يتساءل عمن يكون هو شخصيا والى من ينتسب.. إلى الاهل الذين ربوا واحبوا ام الى الاهل الطبيعيين؟
الكاتب يفيض في نصوصه بروح خلقية.. روح الخير والوئام والمحبة والألفة.
قال هنا عن محمد المتسائل عمن هو "واحس بروح ملائكي يلمسه ويده تربت على قلبه وتتغلغل نسماتها الباردة في براكين حيرته.. خلع عنه المعتقدات.. ولبس رداء من حرير البساطة.. حربر ليس محرما على رجال او نساء... ارتاح واسترخى... واطمأنت نفسه بان الفطرة هي مذهبه ومعتقده.. وهي راحته وسكنه.. وان كان ولد لاب مسلم شيعي وام مسيحية وتربى في بيت مسلم سني.. وعشق فتاة سنية.. وقال متنفساً بعمق.. كلنا لم نولد من فراغ بل خلقنا تملأنا الفطرة السوية السليمة". رويترز