المعتقلون والعيد: لغز العناد؟!
د. محمد أبو رمان
15-10-2013 04:21 AM
خيبة أمل كبيرة أصابتنا بعدم وجود إرهاصات وبوادر للإفراج عن معتقلي الحراك (حتى مساء أمس)، بالرغم من الدعوات المتتالية لذلك من قبل سياسيين ونواب وإعلاميين ومثقفين؛ وبالرغم كذلك من البيان المهم الذي أصدره المركز الوطني لحقوق الإنسان، وحمل لهجة نقدية حادة ضد الإجراءات التعسفية التي رافقت الاعتقال، وضد تحويل هؤلاء النشطاء إلى محكمة أمن الدولة، مطالباً بالإفراج الفوري عنهم.
المفارقة التي تثير الاستغراب وتساؤل النخب السياسية، وحتى المراقبين في الخارج، تتمثّل في دلالة الاعتقالات، والرسالة الثاوية وراءها. فهي تأتي بعد أن أوعز الملك إلى رئيس الحكومة، د. عبدالله النسور، بتعديل قانون محكمة أمن الدولة ليتلاءم مع التعديلات الدستورية التي جرت بخصوصه، وفي جوهرها عدم تحويل النشطاء والسياسيين إلى القضاء العسكري بسبب قضايا تمس الحق في التعبير والحريات العامة والمواقف السياسية، وأن يقتصر دور المحكمة على القضايا المتعلقة فعلاً باختصاصات استثنائية؛ مثل تزوير العملة والمخدرات والإرهاب وغسل الأموال وما شابه.
مثل هذا التوجه الملكي لقي ترحيباً كبيراً في الأوساط السياسية المحلية والخارجية، ثم لنتفاجأ بالاعتقالات التي حدثت، وتحويل النشطاء إلى محكمة أمن الدولة من دون مبررات مقنعة. ويتسع حجم المفارقة وما تطرحه من أسئلة باعتقال عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، في الوقت الذي كانت فيه أوساط رسمية ووزير التنمية السياسية خالد كلالدة، يتحدثون عن انفراج سياسي وحوار يشمل القوى والأحزاب السياسية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين!
إذا نظرنا إلى خلفيات المعتقلين وأسباب الاعتقال، فسنجد أنفسنا أمام ثلاث مجموعات رئيسة: الأولى تشمل مجموعة حي الطفايلة، وبصورة خاصة منذر ومعين الحراسيس؛ والثانية نشطاء شباب الإخوان الفاعلين، وأبرزهم ثابت عساف وهشام الحيصة وباسم الروابدة؛ والثالثة "مجموعة رابعة" التي اعتقل أفرادها على خلفية التفاعل مع الحدث المصري!
ربما يتمثّل القاسم المشترك بين هذه المجموعات، وتحديداً الأولى والثانية، في أنّ نشطاءها يمثّلون القيادات المفتاحية في الحراك؛ على صعيد حي الطفايلة، الفاعل منذ بداية الاحتجاجات الداخلية، والإخوان المسلمين، ما يعني أنّنا أمام احتمالين: إمّا معاقبة هؤلاء على المرحلة الماضية، وتحديداً مسؤوليتهم عن رفع سقف خطاب الحراك، وإمّا هو إجراء وقائي لضمان الحدّ من دورهم وتأثيرهم مستقبلاً، في ظل استمرار الهواجس الحكومية من التداعيات الشعبية للقرارات الاقتصادية والأزمة المالية.
المشكلة أنّ مثل هذه الخيارات تمّت تجربتها سابقاً، وجاءت بنتائج عكسية تماماً. مع ذلك، يصرّ بعض الأطراف في مراكز القرار على التمسّك بها بوصفها "العصا السحرية" لمواجهة "بقايا" الحراك السياسي، فيما تكون النتيجة هي على النقيض من ذلك؛ "إحياء" روح الحراك ومبرّراته!
أمام هذا الواقع، يبدو من الطبيعي، بل من الضروري، أن نطرح سؤالاً مشروعاً بشأن تحديد "الأطراف" التي تقف وراء اتخاذ قرار الاعتقالات المتتالية، وهو قرار سياسي بامتياز، في الوقت الذي يعارض هذه الإجراءات وزراء فاعلون في الفريق الحكومي، في مقدمتهم وزير التنمية السياسية خالد كلالدة، ومعه وزير الداخلية حسين المجالي، وعدد من الوزراء المحسوبين (ولو نظرياً) على تيار الإصلاح، مثل وزراء التخطيط والبلديات والمياه والزراعة، لكنّ مواقفهم السياسية الإصلاحية تكاد تختفي وتتلاشى مع الحكومة الراهنة، ويتوارون تماماً في ملف مثل المعتقلين أو الحريات العامة!
الخيبة الكبرى تكمن في رئيس الوزراء الذي لم يكلّ ولم يملّ، وهو في مقعد المعارضة، متحدثاً عن الحريات العامة والسياسية، ثم يغادرنا إلى الحج، وهو يترك "أيبك" الصغير (ابن معين الحراسيس) يتشوق لرؤية والده قبل العيد، بلا نتيجة، مثل باقي المعتقلين! فهل أكبر من هذا الذنب الكبير ليلاقي وجه الله به؟!
الغد