تجسد التحذيرات والملاحظات التي ابداها جلالة الملك عبد الله الثاني خلال اجتماعه بمجلس امناء مركز الملك عبد الله الثاني للتميز، رسالة ملكية واضحة المعالم الى كل من يهمه الامر في دوائر صنع القرار عن مستوى التراجع والترهل في اداء الادارة الاردنية، بعد النجاحات التي حققتها هذه الادارة في السابق وجعلت منها نموذجا يحتذى في اصول الاداء الاداري العام والخاص، حتى بات الاردن مركزا اقليميا يعتد به في علم الادارة وتطبيقاتها.
وفجأة واذا بهذه الايجابية التي ميزت المدرسة الادارية الاردنية تتراجع الى مستويات غير مقبولة، عندما اختلت الاليات والمعايير المعتمدة في اختيار القيادات الادارية في المواقع الوظيفية العليا التي اصبح بعضها يدار من قبل مسؤولين غير مؤهلين، ممن قادتهم الواسطة والمحسوبية والشللية الى هذه المواقع الحساسة.
رافق ذلك عدم وجود ادوات رقابية حكومية فاعلة ومؤثرة تمكنها من مراقبة ومتابعة وتقييم مستوى اداء هذه القيادات ( العابرة ) اولا باول، فشعور الشخص بوجود رقابة على ادائه يجعله دائم الحرص على تفعيل هذا الاداء بصورة تعود بالنفع على المؤسسة التي يديرها.
وبدا ان في الاردن مؤسسات منسية وخارج التغطية الرقابية الرسمية، رغم حجم العمل الموكل لها ونوعيته، ورغم الموازنات والمخصصات المالية المرتفعة والموضوعة تحت تصرف قياداتها الادارية غير المؤهلة.
ان وجود الادوات الرقابية الفاعلة باستمرار يضمن اكتشاف مواطن الخلل في دوائر الدولة مبكرا وقبل استفحال اثارها السلبية، ويبعث برسائل واشارات الى القائمين على الادارة الحكومية عن مستوى القيادات الادارية في مؤسسات الدولة المختلفة، وصولا الى تطبيق القاعدة الادارية الذهبية التي تنادي بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وبما ان مسؤولية تراجع الاداء الحكومي تقع على مسؤولية القيادات الادارية وليس على الموظفين، فان ترسيخ ثقافة التميز والابداع والانتاج لدى الموظف العام، تقتضي وجود قيادات مؤهلة وتتحلى بصفات الشخصية القيادية وتمتلك قدرات ادارية تجعلها قادرة على ترسيخ هذه العناصر الايجابية لدى الموظف. ما يتطلب بالفعل وجود آلية تعيين فاعلة نضمن من خلالها اختيار عناصر مؤهلة في الوظائف والمواقع الوظيفية العليا.
من هنا فان المسؤولية الوطنية وفي ظل ضعف الاقبال والمشاركة من قبل معظم مؤسسات القطاع العام في برامج مركز الملك عبد الله الثاني للتميز وجوائزه، تقتضي من الحكومة الزام هذه المؤسسات واجبارها على المشاركة في هذا البرنامج الوطني، كجزء من ثورة بيضاء تنهض باداء القطاع الحكومي، انسجاما مع التوجيهات الملكية بهذا المجال. وذلك لما لهذا المركز من دور في مأسسة ثقافة التميز في الجهاز الحكومي بهدف تحفيز هذه المؤسسات لدخول عالم التنافسية وتبني افضل الممارسات العالمية الكفيلة بالارتقاء بالاداء الحكومي الى مستويات متقدمة وطموحة.
على ان تنطوي مشاركة مؤسسات الدولة الاجبارية بالبرنامج على مساءلة ومحاسبة حال عدم تطبيقها الاسس والمعايير المعتمدة في المركز والتي تستهدف تطوير الاداء وتحسينه. ما يضعنا امام منظومة تقييمية موضوعية وفاعلة نستطيع من خلالها تقييم اداء القيادات الادارية في مؤسسات الدولة وما اذا كانت مؤهلة ام لا .
(الرأي)