خلال الاحتفال بتوزيع جوائز الملك عبدالله الثاني للتميز، كان الحديث صريحا، ولربما صادماً، لبعض المؤسسات حول التراجع الكبير الذي لحق بالإدارة الحكومية، فبات أداؤها يعاني ترهلاً غير مقبول.
الملك قالها صراحة ومباشرة للقائمين على القطاع الحكومي، معيداً التأكيد على أن الموظف العام جاء لخدمة المواطن.
والقائمون على الجائزة كشفوا بشفافية كيف تجري الأمور، وأين وصل التقهقر في أداء القطاع العام، بعد أن كان مدرسة لدول المنطقة والإقليم!
المؤسسات اليوم على ثلاثة مستويات؛ كما حددها نائب رئيس مجلس أمناء المركز شريف الزعبي، بعضها يسعى إلى تطوير الأداء والتميز، وبعض ثان يزوّر ويدّعي، فيما فئة ثالثة غير معنية بالقصة أساساً!
يقال إن الاعتراف بالمشكلة جزء من الحل. تلي ذلك محاولة تشخيص أسباب التراجع المختلفة؛ ربما لوضع الحل إن توفرت الإرادة، لاسيما أن تراجع هذا القطاع سينعكس بقوة على أداء باقي القطاعات، ومنها القطاع الخاص والأهلي والمدني.
الأسباب بعضها معروف، من ضمنها ما هو مسكوت عنه لحساسيته المفرطة أولا، والخوف من تبعات الحديث عن إصلاحه، وهو المتعلق بالبطالة المقنّعة والعمالة الفائضة بشكل كبير عن الحاجة.
النمو غير الطبيعي للعمالة في القطاع العام جاء نتيجة النظرة القاصرة للقطاع، والتي تزامنت مع استسهال الحلول.
وقد أدى التقاعس عن إصلاح القطاع إلى قيام فريق محدد بوضعه على الرف، وإطلاق محاولة جديدة لبناء قطاع عام جديد بعقلية مختلفة، من خلال الاستعاضة عنه بمؤسسات مستقلة.
هذا الفريق الذي يسعى إلى القضاء على البيروقراطية من خلال تفريخ المؤسسات، ركن جانبا وزارات ومؤسسات كانت بحاجة ماسة للتطوير والتغيير، فكانت النتيجة فشلا كاسحا؛ ضخّم القطاع العام، ولم يرتقِ بأدائه، ما أوقع البلد في مصيدة لا نعرف كيف نخرج منها، تتمثل في توسع الإنفاق إلى مستوى لا علاقة له بالموارد المحلية.
اليوم، ينفق الأردن حوالي 4 مليارات دينار على الرواتب؛ إذ يوجد في القطاع العام المدني والعسكري أكثر من نصف مليون شخص. وهذا عدد كبير نسبة إلى عدد الأردنيين المقدر بحوالي 7.9 مليون نسمة، كما حجم الاقتصاد. علماً أن عدد موظفي الحكومة الأميركية يبلغ 3 ملايين شخص، في بلد يتجاوز عدد سكانه 300 مليون نسمة.
من طبقوا هذه الفلسفة ينطبق عليهم القول الشعبي" إجا يكحلها.. عماها"! فالتشوهات التي حدثت وسّعت الفجوة بين موظف القطاع العام "التقليدي" وبين العامل في المؤسسات المستقلة، ما أضعفت الولاء للأول، وقتل الإنتاجية، بسبب الشعور بالظلم وغياب العدالة.
الحاصل أن كل ما تم من إدارة سطحية للأزمة، انعكس على الأداء.أيضاً، كثرة التغييرات الحكومية كانت أحد أهم هذه الأسباب، خصوصا أن كل حكومة تأتي تنسف عمل من سبقها؛ ما أنتج في النهاية صورة فسيفسائية، إنما مشوهة!
الشق الآخر من المشكلة يرتبط بنوعية الوزراء وآليات تعيينهم خلال الفترة السابقة. فالوزراء موظفون كبار، وليسوا ساسة؛ أي إن الحس السياسي لديهم مفقود. وتتعاظم المشكلة في ظل المشهد السياسي المحلي، وضمنه خصوصاً ضعف الحياة الحزبية، ما أجهز على إنتاج القيادات والنخب، إلا قلة قليلة دخلت الحكومات، لكنها، وللأسف، لم تقدم نماذج ناجحة.
وهناك أمثلة على سياسيين دخلوا الحكومات وخرجوا منها من دون أن يحدثوا الفرق المطلوب.
إصلاح القطاع العام واستعادة عافيته لا ينفصلان عن الإصلاح الشامل السياسي والاقتصادي. فالأول مؤهل لخلق قيادات تعيد العافية له، أما الثاني فيقدر على توفير وظائف لدى القطاع الخاص، تُقدم بدائل عن العمل في القطاع العام الذي زاد حمله إلى درجة يكاد يسقط معها.
(الغد)