لماذا نهرب إلى قلاع طفولتنا الأولى، كلما لاح لنا عيدٌ من بعيد؟!، ولماذا تبقى عامرة في نفوسنا تلك الذكريات الحميمة عن عيد قديم، ما زال يعشش في البال كعصفور في آخر العش؟!. هل هو الحنين إلى عيد لم يأت؟!، ولم يطرق بابنا بعد؟!!.
عيد نريد أن نرسمه كيف نشاء، وبالألون التي نشتهي، أم أننا نهرب من واقع بات مكروهاً لا يطاق، فنهيم نبحث عن صور لا نجدها إلا في طفولة، فرت من بين أصابعنا، حين كبرنا على حين بغتة!.فيما مضى، كنت قبيل عيد الأضحى بأيام أتحول إلى راع للغنم أتزنر شبابتي، وأحمل زوادتي على كتفي، وأيمم شطر الوادي، فمهمتي الاستراتيجية أن أسرح بالخاروف، الذي اشتراه جدي أضحية. وعلى عكس ما أهوى، تتولد بيننا (الخاروف وأنا) صداقة مدهشة، نتبادل فيها النطحات، ونتهارش كقطط شبعانة، قرب الماء، وكم كان يفرحني إذْ أعتليه كحصان، وأصهل بملء جموحي العتيد.
ولهذا لن أنسى دموعي حين أشفقت عليه، وعلى مصيرة المعلوم، وتساءلت: لماذا لا يهرب هذا الأبله من مصيره؟!، ولهذا لم أحب أن أراه يذبحُ أمامي، وأصر بأني لن آكل من لحمه، لكني غيرت رأيي، بعدما تسللت رائحة الشواء!.
وكنت لا أدري لِمَ يسمونه العيد الكبير؟!!، فهو صغيرًا جداً كان بمنظار حبنا، لا يسامق عيد رمضان، فالأهل يصرون أن نعيّد بثياب العيد الفائت، فهي لم تزل بنظرهم جديدة، لكنّي عالجت الأمر على طريقتي ذات عيد: فكنت لا أنزع عني ملابس عيد رمضان، حتى تبلى.
وكل عيد لا يفتتح بالقهوة، لا يعول عليه!، فهي بنت العيد، وهذا عرفنا المحفوظ، فهو سيكون ضيئلاً، بلا رائحتها العابقة في ريق الفجر؛ وفي كل عيد ستترحم على جدك، ومهباشه، وقهوته الملتاعة على وهج الجمر، فأين أعيادنا الجميلة؟!، رغم كل هذه القهوة التي تملأ الأرجاء؟؟!.
في العيد نطرق أبواب البيوت معايدين، وستفرح كثيراً إن طلت عليك البنت النعومة، بشعرها المكبوح، كذيل فرس جموح، فتعرض عليها، أن تؤرجحها إبعد من النجمة، بأرجوحتك المنصوبة بتوتة الدار، كي يظل ذيل الفرس المجنون يلوح، وقلبك يلوح ويلوح!.
ربما كان الناس أجمل، يتصافحون بصدق وطفولة، والقلوب تودّ لو تقفز من قفص الصدر، تشارك في السلام والعناق، كانوا يتزاورون ويتناولون إفطارهم معاً: زيتاً وكعك عيد ساخناً: أما الآن، فرسالة مكرورة، من هاتف نقال تغني عن كل الحنين!!. وعيدكم طيب أيها الأصدقاء!!.
(الدستور)