تقف في الطابور،من اجل استعمال الصراف الالي،وتكتشف ان الطابور هنا،غير الطوابير عند أجهزة الصراف الالي في العالم.
من يقف امامك يصاب بصفنة غريبة عند ادخال بطاقته،وقد تراه يضع كوعه على الجهاز،ويده على خده،ويصفن مطولا،ثم ينزل كوعه الايمن،ويضع كوعه الايسر،ويصفن مجدداً،ويستعمل بطاقته،ثم يخرجها ويستعمل اربع بطاقات اخرى؟!.
عملية السحب قد لاتتجاوز قيمتها عشرة دنانير،وكل هذه البطاقات المفلسة،ينكشف امرها عند قيمة السحب،او امتطاء باص الكوستر للعودة الى المنزل،وكثيراً ماترى مواطناً يضرب شاشة الجهاز بيده،احتجاجاً على تأخر الراتب.
في دول العالم لايحق للانسان ذوقاً الا ان يجري عملية واحدة فقط،عند الصراف الالي،ووقوفه عند الصراف لايعني،ان يجري سبع عمليات،له ولجارته ولخالته العزباء، ويلعب بوظائف الصراف،باعتباره يستعمل بلاي ستيشن.
ليس غريباً ان ترى معلمة معها اربع بطاقات صراف آلي لها ولزميلاتها،وتقوم بسحب رواتبهن،بالنيابة عنهن،لتسليم المبالغ لهن في اليوم التالي،باعتبارهن لايملكن الوقت للذهاب للصراف الالي،وماعلينا الا السكوت.
صفنة الاردني عند الصراف الالي،غريبة،وكثيراً ماترى من يصابون بهذه الصفنة الغريبة يتمتمون ويحوقلون،بعضهم يشتم،وبعضهم يستغفر،والبعض الاخر يدس رأسه في الجهاز،حتى تظنه يريد الدخول الى خزنة الصراف الالي.
الصراف الالي الذي يستعمل شاشات حساسة،باللمس،يتعرض هنا لاضطهاد كبير،اذ تسمع ضرب الاصابع بقوة على الشاشة،وكأن من يستعمل الجهاز يدق الحجر،ولاتعرف مافائدة شاشات اللمس،اذا كان المستخدم يدقها بأصابعه بهذه الطريقة العنيفة؟!.
كثيراً ماترى احدهم يتلفت يميناً وشمالا عند استعمال الصراف الالي،وكأنه يدير ثروة داخل المصرف،ويركلك بنظراته حتى لاتتلصص على اسراره المالية،غير ان ورقة الحساب الالكتروني المتروكة خلفه تقول ان كل مافي حسابه بضعة دنانير متبقية،وفي حالات تقول الورقة ان حسابه مكشوف.
نمارس عادتنا بالتعازم والنخوة عند جهاز الصراف الالي،وهذه عادة حميدة،فقد يقف بضعة شباب بانتظار دورهم،يجّحرون بعضهم البعض،دون سبب واضح،كالقطط في شباط،فأذا جاءت صبية جميلة،يقرر بعضهم فجأة منحها الدور،فلا يسلم كبيرهم من نظرات الاخرين التي تقول انهم يفهمون دوافعه المخفية.
اجهزة الصراف الالي باتت موقعاً يتم تأجيره للمتسولين،واغلب الاجهزة اليوم،يجلس قربها متسول او متسولة،وتبدأ بالدعاء الالكتروني لك فور قدومك،حتى تنال المعلوم،بأعتبار ان الصراف الالي كريم،وللجميع،ولايميز بين المواطنين،وليس غريباً ان تسمعها تقول لك «اللهم ارفع سقف بطاقته الائتمانية،وخفض الفائدة عليه،وانصره على الفيزا والماستر،واجعل دولاره ديناراً».
في حالات يتأبطك بائع ملوخية يجلس قرب جهاز صراف آلي منذ سنوات،فارضاً ضريبة الملوخية على كل مستعملي الصراف.
يقف الواحد منا عند الصراف الالي،متناسياً من خلفه،يحك رأسه مرات ومرات،محاولا استذكار الرقم السري،ثم يضع كوعه على ازرار الجهاز،وفي حالات يضع رأسه بين كفيه،يريد ان يفتح حواراً مع الجهاز،حول الارقام والدنانير وسياسة الحكومة والضرائب.
شاشات الصراف الالي في الاردن،تجدها تتخلخل من مكانها بعد فترة جراء رقة ولطافة الاستعمال،والمؤكد انها الاكثر صيانة.
ذات مرة وقفت لاستعمال الصراف،فاجئني شخص يدّعي ان نظره ضعيف جداً،ويريد مني استعمال بطاقته،ومعه طبعاً الرقم السري لسحب مبلغ مالي،فقلت له ان نظري اضعف منك،اذ كيف تمكن من الوصول لموقع الصراف،ونظره ضعيف،فيما لايتمكن من استعمال بطاقته؟!.
المرّجح انه لص سرق البطاقة،مع رقمها،ويريد ان يبليني باعتباري اللص الذي سحب المال امام الكاميرا،كاتب صحفي في النهار،ولص اجهزة صراف آلية في الليل،وسأكون مطلوب الرأس في الحالين!.
صفنة الصراف الالي،باتت حالة مرضية.متلازمة الصراف الالي بحاجة الى علاج.خصوصاً،حين تشتد الصفنة،وينحني جسد المواطن،وتتكور مؤخرته بطريقة غريبة في وجه الواقفين خلفه،تعبيراً عن القلق وعدم الرضى على احواله.
صفنة الصراف الالي باتت شائعة،وحتى تتم معالجتها اقترح على المصارف،مؤقتاً،تعيين موظف عند كل صراف حاملا الدلة لصب فناجين القهوة السادة للزبائن،بأعتبارهم يقفون مطولا،ولابأس من جاعد ابيض اللون،نستريح عليه،في حالات،بأعتبار ان صفنة المواطن طويلة،وطويلة جداً.
كان يقال اننا الاغلبية الصامتة،والمؤكد اننا اصبحنا الاغلبية الصافنة...والاسباب ليست بحاجة لمن يشرحها.
(الدستور)