تسمع دوما تعبيراً متداولا بين الناس يقول»محنا دافنينو سوا» واغلبنا لا يعرف ان وراء هذا المثل قصة،والتعبير يتم استعماله في دول عربية كثيرة،بين الافراد،والحكومات،والمعارضة،وشتى الاطياف،دلالة على امر ما،يعرف حقيقته الطرفان،ويتجاهلانه عندما يريدان.
لهذا التعبير قصة،وهي قصة متداولة في اغلب الدول العربية،اذ ُيحكى أن القحط ضرب احدى المناطق في بلاد الشام، وكان اهلها يعتمدون على الزراعة،ومع انحباس المطر لفترة طويلة، لم تعد تنبت الحبوب والفواكه،وجف عشب المراعي،وآبار المياه جفت.
اجتمع شخصان من إحدى القرى الجائعة وقرروا السفر إلى قرية بعيدة فيها خير كثير وعمل وفير حتى يعتاشا منها،فسافرا على ظهر حمار لهما،إلا أن الحمار مات في الطريق حينما شارفا على الوصول الى تلك القرية.
ضاقت بهما الأرض بعد أن أنهكهما الجوع والعطش، فراودت أحدهما فكرة شريرة وهو أن يدفنا الحمار ويدعيان انهما دفنا رجلا صالحاً مبروكاً من أهل قريتهما،أوصى أن يدفن قريباً من أهل تلك القرية المجاورة، فيحتالان على أهلها فيمدانهما بالطعام والمعونات.
ما أن شرعا بدفن الحمار حتى مر بهما رجال من القرية فقالا لهما:من دفنتما للتو هاهنا،فبدأ الرجلان بالبكاء وملأت الدموع وجهيهما وتجمع عليهما كثير من رجال القرية وبعد أن هدأوا من روعهما وقدموا لهما الطعام والشراب،توقفا عن البكاء وقالا للناس ..هذا هو الشيخ زنكي من الصالحين في قريتنا وهو مستجاب الدعاء في الحياة والممات،وصاحب كرامات.
اضاف المحتالان انهما كانا يقومان على خدمته في حياته،وقد أوصاهما بالدفن في هذه القرية لأن بها الكثير من أهل الخير،وحتى تعمهم البركة،ويستجاب الدعاء فيها قرب قبره المبارك.
انتشرت اشاعة الشيخ زنكي مثل لمح البصر،بين ابناء القرية،وتوافد ابناؤها لزيارة الشيخ زنكي والدعاء عنده،وبدأ اهل القرية بإكرام المحتالين اللذين ارتديا لباسا خاصا،وبدأ بعد قليل بتلقي الاكراميات المالية والهدايا.
تحول القبر الى ضريح كبير،وبات ابناء القرى الاخرى يزورون من يظنونه الشيخ زنكي،فيما المدفون حمار،والتي لا تلد تأتي وتدعو وتدفع المال للمحتالين تقربا للفقيد،والذي لا ينجب يأتي الى الشيخ زنكي ويقدم النذور والاموال،والتي هجرها زوجها وتريد استرداده تأتي لذات الضريح،والذي يريد انعاش تجارته يزور الشيخ زنكي،والمحتالان يجمعان الاموال،ويعيشان في بحبوحة كبيرة.
تولد المثل اثر مرض دب في احد المحتالين،فما كان من رفيقه وشريكه في الكذبة التي كذباها وصّدقاها،ان قال له ان الحل حتى يشفى ان يحمله من المنزل ويذهب به لزيارة الشيخ زنكي من اجل الدعاء له بالشفاء العاجل،فرد عليه رفيقه المريض بالجملة التي ذهبت مثلا قائلا له...»محنا دافنينو سوا»..في سياق تذكيره ان المدفون حمار،وليس الشيخ زنكي!!.
تعبير «محنا دافنينو سوا» تسمعه كل يوم بين الافراد،في العالم العربي،وهو يقول من قصة اخرى،ان الجميع يعرفون الحقيقة لكنهم يتشاغلون عنها،بالكلام عن الشيخ زنكي وكراماته،فيما الواقع العربي كله واضح،قمع وفقر وبطالة وجوع واستعباد،وتأويل القبائح لا يلغيها.
(الدستور)