انقضى يوم أمس الخميس، ولم يُطلق سراح موقوفي الحراك، خلافاً للوعد الذي صدر عن مسؤول أمني لنشطاء الحراك قبل أيام.
استمرار اعتقال الشباب مخجل للأردن، ومحرج أيضاً. فالتوقيف، بشهادة المركز الوطني لحقوق الإنسان، يتعارض مع الدستور. وقد دعا المركز في بيان صحفي أصدره مساء أمس، إلى تكفيلهم بالسرعة الممكنة، على اعتبار أن المعاملة التي تلقوها؛ من ضرب وإهانة وقسوة، تشكل مساساً بالكرامة الإنسانية.
الموقف الصادر عن المركز مهم ومحترم، كونه يعبر عن تقدير لحقوق الإنسان ودفاع عنها، وبما ينسجم مع دور المركز الحقيقي والمطلوب. كما أن في إنفاذ مطالب المركز حفظا لوجه ماء البلد الذي سيتعرض للنقد الشديد في 24 من الشهر الحالي في جنيف؛ موعد مناقشة تقرير حقوق الإنسان في الأردن.
المؤسسات المحلية المعنية بالتقرير أعدت العدة، وأدرجت بند الموقوفين على الأجندة، وكذلك ملف الصحفيين الموقوفين، ما سيظهر البلد بصورة معادية للحريات، وضمنها حرية التعبير والصحافة.
على الحكومة، وهي صاحبة الولاية العامة، إدراك أن استمرار توقيف شباب الحراك مضر بسمعتها وبسمعة البلد، وكذلك بشأن محاكمة هؤلاء الشباب أمام محكمة أمن الدولة العسكرية، مع ما يشكله ذلك من مساس بالدستور، وبحقهم في الحصول على محاكمة مدنية عادلة.
ما رشح من معلومات حول ملف المعتقلين من داخل مجلس الوزراء، يبين أن الحديث كان بالحد الأدنى، وأن المبادرة إلى بحثه جاءت من قبل الوزير المعني بالملف وظيفيا، وهو وزير التنمية السياسية، خالد كلالدة؛ الذي عرض الموقف وطالب الحكومة باتخاذ قرار بهذا الخصوص.
رد الفعل من مختلف وزراء الفريق تمثل في الصمت، من دون إدراك وتقدير لتبعات هذا الملف على الحكومة نفسها وعلى البلد أيضا، ما يعني أن الحكومة تخلت بسهولة عن ولايتها العامة التي تتغنى بها دائما، ولم تقم بالمهام الموكولة إليها؛ بتطبيق الدستور على التعامل "غير الدستوري" مع الموقوفين.
ما قيل هناك في "الدوار الرابع" هو أن التهم الموجهة للموقوفين تتعلق بشيكات وقضايا مالية. لكنْ ثمة رأي مغاير تم طرحه؛ أكد أن الاعتقال تم بسبب التظاهر وعلى خلفية سياسية.
ما جاء من الحكومة محبط، لكنه متوقع؛ ويؤكد أن الحكومة الحالية لا تعنى بحرية التعبير، ولا تؤمن بحق التظاهر السلمي، وهي لذلك لم تتخذ موقفا تطالب فيه بإطلاق سراح المعتقلين، حفاظا على السلم المجتمعي، وعلى سمعة الأردن كبلد يصون الحريات ويحميها، ولا ينتهك أيا من اتفاقيات حقوق الإنسان المختلفة التي وقعتها المملكة والتزمت بها.
ملف الموقوفين سيتخذ خلال اليومين المقبلين مسارين لا ثالث لهما؛ فإما أن يكون مصدرا للتوتر وإعادة شحن الأجواء، أو يغدو بابا لاستعادة الأجواء الهادئة في البلد، مع الحفاظ على حق المجتمع في التعبير عن رأيه سلميا.
والمطالبة بالإفراج عن الموقوفين لا تعني أبدا القفز على القضاء، والسماح بالتجاوز على القانون، إنما المطلوب هو أن يتم التعامل معهم بأسلوب يكفل حرية التعبير، من دون المس بالآخرين أو بالبلد ومقدراته، فهذه القضايا لا خلاف حولها.
الموقوفون أبرياء حتى تثبت إدانتهم من قبل القضاء. ورفض بعضهم المثول أمام محكمة عسكرية إنما يعكس وعيا بحقوقهم واحتراما للدستور. واستمرار توقيفهم لن يجدي نفعا، إلا لناحية واحدة، هي زيادة حالة الاحتقان، وبث رسائل سلبية بعدم احترام الدستور وحقوق الإنسان المختلفة.
لا أحد يعلم إن كان الموقوفون سيقضون العيد مع أهلهم وأحبتهم، أم خلف القضبان.
(الغد)