عندما يتصل كاتب أو أعلامي بمدير عام أو مسؤول كبير في بنك طالبا موعدا لمقابلته فان معظم هؤلاء القادة البنكيين يعتقدون أن الاعلامي انما جاء لأحد ثلاثة أمور فاما ( للشحدة ) أو للأبتزاز أو لطلب أعلان لصحيفته .
الموافقة على المقابلة تتعلق بأحد أمرين , فان كان الاعلامي يتسم بالصلافة , وهي التعبير المخفف ( للوقاحة ) وكان لا يخاف القانون ولا قاضي المحكمة ولا يلتزم بقانون المطبوعات فان المقابلة ستكون في اليوم التالي مع أحر الترحيب والحبور , وان كان الاعلامي ممن يحترمون المهنة ويتعففون عن الاعطيات ويلتزمون القانون فلن يرى وجه ذلك المسؤول قبل أقل من شهر .
مناسبة الحديث حادثتين فأنا أكاد أزعم أني أصبحت - مكرها أو بالمصادفة – متخصصا في أنواع من قضايا الفساد المالي والاداري ربما بحكم سنوات جاوزت الثلاثين من العمل في حقل المحاماة والاعلام .
الحادثة الاولى أنه وقبل أشهر وصلتني معلومات - ككاتب صحفي – عن خلل أداري في أحد البنوك وصل الى حد الاهمال وتطور الى فساد مالي وزودني مصدر المعلومات بتفاصيل دقيقة لكثير من المخالفات , فسارعت من فوري الى مقابل قيادات في البنك وشرحت لهم الامر حرصا مني على المال العام ,و رغم ظهورهم بمظهر المهتم إلا أن أحدا لم يتابع الموضوع ولم يسألني عن الادلة والتفاصيل , ومرت أسابيع لينكشف الامر عن عملية أختلاس كبرى وهروب أحد المتهمين , وما زالت القضية منظورة أمام القضاء .
الحادثة الثانية قضية طازجة , فقبل أيام أتصلت بمكتب مسؤول كبير في بنك محلي وأبلغت سكرتيرته أنني أرغب بمقابلته لأمر يتعلق بضياع مبالغ كبيرة على البنك بسبب الاهمال , وبمزيد من الاحترام أبلغتني أنها ستبلغ سعادته وتتصل بي , المهم لم تتصل ولم يلتفت سعادته للموضوع وأغلب الظن أنه يعتقد أن هذا الكاتب الصحفي يريد أن يبتز البنك أو ( يشحد ) .
ماذا لديك لتقوله في مثل هذين الامرين ؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ؟؟ أو ( وأنا مالي الله لا يردكو ) , جائز ولكن فاتكم أن هناك خيار ثالث , وهو أن تبادر الى شراء عشرة أسهم في كل بنك وتقف في أجتماع الهيئة العامة وتسجل في محضر الاجتماع ( كذا وكذا ) وليتحمل كل مقصر مسؤوليته أمام الهيئة العامة للشركة , وأن تخلي مسؤوليتك حتى لو كانت السيطرة في الهيئة العامة لمن يتسنمون قيادات الشركات .
وبالفعل أشتريت أسهم معدودة في البنك الاول وبصفتي أصبحت أحد مالكي البنك وحصتي لا تتجاوز ذرة خردل , إلا أنني مالك على الشيوع في كل خشبة وكرسي وورقة في البنك , وبهذا أصبحت لي صفة ودخلت في القضية المنظورة أمام القضاء بصفة مشتكي , وأنا أشتكي وسأتابع الشكوى . ويبدو أنني مضطر لفعل الشيء نفسه في البنك الثاني .
لا تتصورون كم هو ممتع أن تكون محاميا وكاتبا صحفيا في نفس الوقت , فالميزة الاولى أنك تكتسب من خلال ملفات القضاء والاف قضايا الاحتيال خبرة وفراسة في أكتشاف المحتالين ومواقع الفساد , وثانيا فانك تكتب باحتراف قانوني حتى لا تجد نفسك ماثلا أمام قاضي المطبوعات أو مدعي عام أمن الدولة, والميزة الثالثة أن الرقابة عليك تأتي من مصدرين الاول سلوكيات وقوانين مهنة المحاماة والثاني سلوكيات مهنة الصحافة وقوانينها , ان التزمت بها جميعا فستظل محترما بنظر القانون وبنظر نفسك وضميرك .