منذُ جاء الرئيس الاميركي أُوباما في أول عهده رئيسا للعالم الى إسرائيل وخاطبها في قطعة (أدبية) يبدو أنها طُبخت جيداً بأن "لستِ وحدكِ" وأن واشنطن بعيونها وقلبها وبمقدراتها وبما عليها..كلها معكِ، "لست وحدك" فيما أنت فيه من جوار غائرٍ في التخبط والعشوائية وممعنٍ في الجهل والتخلف.
منذ ذلك اليوم وأُغنية حليم لها طعم آخر، فالمعاني التي اعتصرها كامل الشناوي من تجربة شخصية قاسية أعاد لها أُوباما الحياة وهو يؤكد لإسرائيل "لست وحدك".
قبل خطاب لست وحدك كان اوباما يطوع ما أعده جيش من المستشارين والمحررين ومن بينهم أكاديميون عرب ولوبيون إسرائيليون تحت سقف البيت الأبيض، ليوجه في القاهرة ثمرة ما أُعد جيداً، رأيناه يلجأ لآيات قرآنية وللتراث العربي والاسلامي ليستقطب مشاعر وعواطف من تهزهم الكلمة وتحرك وجدانهم صور البلاغة والخطابة.
هناك .. خاطب العقل الإسرائيلي فقال "لست وحدك"..!بضعة أيام مرت قبل أن يرد رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو على اوباما وخطاب جامعة القاهرة، من جامعة بار إيلان أحد معاقل اليمين الإسرائيلي المتطرف ليقول "لست وحدك من تملك ناصية البلاغة وكاريزما الحضور وجمال اللغة وتطويعها..".
لم يعدم نتنياهو طريقة ليرد وبقسوة على ما طرحه اوباما تجاه "السلام العادل"، ولم ترق له على ما يبدو فاتحة الخطاب بأن "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً"!!تتأجج هواجس نتنياهو وقيادات اليمين واليسار مجتمعين مجدداً تجاه نوايا اوباما وهو الذي ليس لديه ما يخسر كحال كل سادة البيت الأبيض في فترات رئاستهم الثانية .. جراء مكالمته مع الرئيس الإيراني روحاني الذي يبدو انه يسابق الزمن للخروج من جلباب أسلافه في التعامل مع الغرب.
مكالمة ربع الساعة التي أجراها اوباما دون إعداد مُسبق انهت كما فُهم منها أربعة وثلاثين عاماً من القطيعة أعقبت اختطاف رهائن السفارة الأميركية بطهران لمدة 444 يوماً.
قبل أن يُنهي اوباما المكالمة سمع روحاني يقول "طاب يومك"، فرد " مع السلامة" .. بعد المكالمة لم يطب يوم اوباما ولم تصحب روحاني سلامة العودة والاستقبال..!
ثار المحافظون في واشنطن وطهران وانقسم الداخل الإيراني بين معارض بشدة وآخر بنعومة، وشهد الداخل الأميركي ضجة مُفتعلة، فيما دب الرعب ( أو هكذا أُريد له أن يبدو) في الشارع الإسرائيلي، ورغم تهديدات نتنياهو، فإن ثمة شعورا انتابنا بأنه يكاد يعيد الكَرَةَ ليقول لاوباما "لست وحدك"!!
هي واشنطن نفسها لم تتغير، تحافظ على مفاجآتها المتكررة كل مرة ونندهش، وتمارس ذات الدور وبنفس الآليات ونُفَاجأ، وتسير على خيط التوازن الرفيع أعلى سيرك العلاقة بين النفط والأمن وإسرائيل .. ونصمت!!
وهي آلة السياسة الأميركية ومطبخ واشنطن العتيد الذي يسمح للرئيس أن يعادي العالم ويدعم إسرائيل في فترة رئاسته الأُولى ويتيح له أن يقترب من العالم كله لكيلا يُمس أمن إسرائيل وحلم أطفالها في فترة رئاسته الثانية!!قبل أيام سجلت كاميرا تسجيلاً بمحض الصدفة لاوباما وهو يعترف بأنه أقلع عن التدخين لخوفه من زوجته التي علقت في وقت سابق "عندما يفعل المرء الشيء الصحيح فلا ينبغي العبث معه".السيدة أُوباما .. يبدو أنكِ لستِ وحدك .. أيضاً!!
(الغد)