مع اقتراب حلول عيد الاضحى المبارك تحضرني ذاكرتي لاشياء وتفاصيل من الماضي ، كيف يتحول العيد الى بهجة مؤقتة لقبض العيدات وهي بضع دراهم ، وكيف يصار صباحا الى ذبح الاضحية ، و الاجتماع من حولها لتناول "المعلاق " وهو أحشاء و كبد ... الضحية المنحورة .
أشياء و تفاصيل عميقة أذكرها ، لحظات متجمدة في الذاكرة الى الابد لا تمحو و لا تنفصل ، كيف ترتسم الفرحة على وجوه الفقراء ، على عتبات بيوتهم متأهبين لالتقاط "خيرات وثمار العيد " ، يحضرني سيل جارف من ذكريات العيد .
كل الاخضاعات العلمية و التاريخية " الماركسية و الليبرالية " عموما لم تقدم و لم تؤخر في تقييم و تفسير لغز تعلقي بعيد الاضحى ، أظن أن أسباب أنعدام البرهان المادي النفسي و الاجتماعي لهذا الطقس الانساني " عيد الاضحى " أنه يعبر عن ركن عميق في كينوتنا الانسانية ، من خفايا القاع البشري "هدية الاضاحي ...المهجة و الدم .
أنها الشخصية الانسانية "الفطرية " دون اقنعة ، أنها التوبة وعودة الى الجذر الانساني الاول ، "الاضحى " فعل تشتبك به التوبة بالاخر ، و الخلاص و الجريمة و التخلص من الذنب ، تشتبك بأكثر من ذنب أنساني عميق يصعب الخلاص منه بتوبة واحدة ، أنه فعل لتخلص من مسرح الجرائم التي تتوسد الذاكرة الانسانية
، وتتوسد تاريخنا البشري المكسي بالعنف و الخيانة و الردة .
مهما تكن قطيعة الانسان مع الاديان ، الا أن الروح تعطيه ما يزيد و يفيض من الامل و الشعور بالامن و الاحساس بالاخر ، و تجيب بعمق فطري عن أشكالات المجهول ، أذهاننا لا تتسع للاجابة عن سؤال "طبيعي "في أعماقنا عن الله و التوبة .
في الاضحى ، تكتشف وجها جديدا للتضحية و البذل ، تفتح باب الاياب الى الروح ، عندما يكتشف الانسان أنه يضيع ، و يفقد من أنسانيته ، العيد يوم يشبه فجره مسالمة بالوان الفجر الجبلية ، لا أحد بالتمام يعرف ما هو سر سكينة " الاضحى " ، ولا ما سيفعل بعد أن ينتهى لقاء العيد .
في الاضحى مجانسة نفسية غريبة