من أكثر العبارات إضحاكا لي تلك الجملة التي يصدّر بها الأصدقاء كتبهم والتي تقول: حقوق الطبع محفوظة.. وكأن كتبنا محل طمع الطامعين الذين سيعيدون طباعتها لجني الأرباح.. لذلك لم يكن غريبا ولا مدهشا أن يكتب الصديق الشغبلوجي يوسف غيشان على بعض كتبه: حقوق الطبع غير محفوظة.
وقد عشت ردحا من الزمن في الوسط الأدبي في الأردن وفي الإمارات.. وعايشت تجربة الكثيرين من الأصدقاء الذين نشروا ديوانا شعريا أو أكثر .. أو رواية أو مجموعة قصصية.. أو أكثر.. أعرف شاعرا صديقا نشر حتى الآن أكثر من أربع عشرة مجموعة شعرية.. وهو الآن بصدد نشر أعماله الكاملة.. وكل ذلك لم يجعله علما مشهورا مثل نصف شهرة فتاة فيديو كليب مثلا.. ولا أعتقد أنني لو ذكرت اسمه هنا سيعرفه أحد غير أصدقائه .
وقد دأب الكتاب الشعراء والروائيون والقصاصون العرب على نشر نتاجهم على شكل كتاب في ألف أو ألفي نسخة.. وتوزيع معظمها كهدايا على بعضهم البعض.. ومن يحظ كتابه بطبعة ثانية يوصف بأنه نجح نجاحا باهرا!! وهكذا بقي المثقف العربي عموما في واد والجماهير العربية في واد آخر.. نطبع ونقرأ بعضنا البعض.. وكأننا نعيش في جزيرة معزولة عن باقي الخلق الذين نتكلم في قضاياهم التي هي قضايانا.. ومعظمنا يجلس في برجه العاجي مترفعا عن الناس الذين يطلق عليهم (أحيانا العامة) وأحيانا الناس العاديين.. (على اعتبار أنو الأخ غير عادي) وبقي معظم أدبائنا منحازين لنخبويتهم مرددين عبارات أصبحت ممجوجة ومملة وتبعث على الغثيان .. من نوع.. (ما ذنبي إذا كان الناس لا يقرؤون) (إذا لم تفهم نصي راجع ذائقتك).. (المشكلة في الذائقة وليست في النص).. وهكذا بقي المنتج المتقوقع على ذاته يتهم الذائقة العامة دون أن يكون له أي دور في تطويرها أو خلقها أو البحث على الأقل في جعل إنتاجه الأدبي مستساغا ومطلوبا ولو عند نسبة بسيطة من المتعلمين فقط.. وغاية ما وصل إليه أكثر نجوم الأدب العربي شهرة أن يعرفه الناس دون أن يعرفوا أدبه.. لأنه وجد ظروفا وإعلاما يخدم انتشار اسمه.. دون أن يخدم الارتقاء بالذائقة العامة لتعاطي إنتاجه.. وغاية ما يجيبك به الأديب العربي إذا سألته عن أسباب هذه المحنة هو أن يضع اللوم على الإعلام المنحاز للتفاهة والرداءة.. والحكومات العربية التي لا يوجد لديها نية حقيقية لتبني مشروع ثقافي عربي يجعل من الأدب موضوعا شعبيا عاما يرتقي بوعي وفهم العامة ويوسع آفاقهم.. ومع إقراري بحقيقة أن الإعلام منحاز للتفاهة .. إلا أنني أتساءل عن دور أصحاب القضية أنفسهم.. الذين اكتفوا بنقل نظريات الغرب والبناء على أساسها بمعزل عن البيئة التي أنتجت تلك النظريات.. فوضعوا العربة أمام الحصان.. لأن النظرية تنشأ في الأصل لتفسير حالة أدبية قائمة فلا تكون سابقة لها.. ولا يؤسس النص بناء على النظرية وإنما العكس..
ولو كان (الحق على الذائقة وحدها) فلماذا لا ينجح أدبنا في الوقت الذي ينجح فيه نجاحا خرافيا أدب الذين نتلقى نظرياتهم وننقلها كالببغاوات؟
والدليل.. (وهو ما أثار لدي هذه الخواطر اليوم) هو التحقيق الإحصائي الذي نشرته في مطلع العام الجديد صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في ملحقها الثقافي والذي أوردت فيه لائحة لأبرز عشرة روائيين فرنسيين باعوا كتبهم الجديدة بأرقام قياسية هي اقرب الى الخيالية في مجتمعاتنا. هم عشرة كتاب على رأسهم وفي طليعتهم الكاتب( مارك ليفي ) برقم خيالي: مليون و462 ألف نسخة من مؤلفاته في العام 2007،
وجاء في المرتبة الثانية المؤلف (غيوم موسو) (33 عاما) الذي باع من روايته الجديدة "لأني احبك" 400 ألف نسخة الى جانب 800 ألف نسخة من كتابيه السابقين.
في المرتبة الثالثة الروائي(برنار ويربر) الذي صدرت له رواية "سر الآلهة" وهي الجزء الثالث والأخير من "ثلاثية الآلهة"، ومجموع مبيع كتبه للعام 2007، 869 ألف نسخة فقط. (يعني تقريبا مثل خميس بن جمعة)
الروائية الشابة (اميلي نوتومب) في المرتبة الرابعة..برقم 796 ألف نسخة.
الكاتبة الروائية (آنا غافالدا) لم تنشر جديداً لها منذ 2004 ومع هذا يستمر مبيع رواياتها السابقة بشكل مستمر ومرتفع وخاصة روايتها "معاً"، اما مجموع مبيعات كتبها للعام 2007 فهي: 751 الف نسخة مباعة.
في المرتبة السادسة الكاتبة( فريد فارغاس)، مجموع مبيعات كتبها 726 ألف نسخة في هذا العام.
الروائية الشابة (موريال باربري) لم تكتب حتى اليوم سوى كتابين ومعهما وصلت الى المرتبة السابعة وقد بيع لها 686 ألف نسخة منهما.
في المرتبة الثامنة، الروائي دانيال بيناك الذي عاد إلى الواجهة مع كتابه "حزن المدرسة"، بيع له 538 ألف نسخة.
الكاتب (مكسيم شاتام) الشاب وصل الى المرتبة التاسعة بمعدل 419 ألف نسخة مباعة.
وفي المرتبة العاشرة الكاتب ايريك ـ ايمانويل شميت الذي باع 387 ألف نسخة.
لا يفوتني أن أتذكر هنا أن المثقف العربي النخبوي أو (العزلوي) لا يفتأ يمارس الحسد تجاه كل الذين ينتشرون جماهيريا.. وعلى رأسهم الدعاة (الجدد) وعليه أذكره أن الشيخ والداعية المعروف عائض القرني قد بيع من كتابه (لا تحزن) حتى الآن أكثر من مليوني نسخة.. ولم يكلف أحد من الفاشلين نفسه عناء البحث عن إجابة ال..لماذا؟
http://atefamal.maktoobblog.com/